ذَلِك التَّفْرِيق الَّذِي أَشَرنَا إِلَى رزاياه فِي هَذَا الْبَحْث مرَارًا، وسعينا لتلافيه قبل تفاقم خطبه فَمَا أفادنا السَّعْي فلاحا، وَكَيف يعقل أَن يرضى الْعَرَب استبدال التركية بِالْعَرَبِيَّةِ الَّتِي شرفها الله على جَمِيع اللُّغَات بكتابه المعجز للبشر وحجته عَلَيْهِم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة على مَالهَا من المزايا الْأُخْرَى. .
وَنحن نرى التتار إخْوَة التّرْك فِي الْعرق الطوراني لَا يرضون بترك لغتهم واستبدال التركية بهَا وَهِي أرقى مِنْهَا؟ .
فَنحْن الْآن تجاه أَمر وَاقع، مَا لَهُ من دَافع، وكل مَا نطمع فِيهِ أَن نتقي ضَرَره، ونوفق بَين الجامعة الإسلامية والجامعة الجنسية اللُّغَوِيَّة بِمَا فصلناه من تعاون الْعَرَب وَالتّرْك على إِقَامَة الْخلَافَة الإسلامية الْحق، فَإِذا وفْق الله لإتمام هَذَا فَهُوَ الَّذِي تتمّ بِهِ الْوحدَة، وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. .
نُرِيد بالاشتراع مَا يعبر عَنهُ عندنَا بالاستنباط وَالِاجْتِهَاد، وَفِي عرف هَذَا الْعَصْر بالتشريع (وَقد اسْتعْمل بعض عُلَمَائِنَا هَذَا كالشرع فِي الإلهي خَاصَّة) وَهُوَ وضع الْأَحْكَام الَّتِي تحْتَاج إِلَيْهَا الْحُكُومَة لإِقَامَة الْعدْل بَين النَّاس وَحفظ الْأَمْن والنظام، وصيانة الْبِلَاد، ومصالح الْأمة وسد ذرائع الْفساد فِيهَا. . وَهَذِه الْأَحْكَام تخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان وأحوال النَّاس الدِّينِيَّة والمدنية كَمَا قَالَ الإِمَام الْعَادِل عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ تحدث للنَّاس أقضية بِقدر مَا أَحْدَثُوا من الْفُجُور. . أَي وَغَيره من الْمَفَاسِد والمصالح والمضار وَالْمَنَافِع. . فالأحكام تخْتَلف وَإِن كَانَ الْغَرَض مِنْهَا وَاحِدًا وَهُوَ مَا ذكرنَا آنِفا من إِقَامَة الْعدْل. . الخ. .
وَلَا يقوم أَمر حُكُومَة مَدَنِيَّة بِدُونِ اشتراع، وَلَا ترتقي أمة فِي معارج الْعمرَان بِدُونِ حُكُومَة يكفل نظامها اشتراع عَادل يُنَاسب حالتها الَّتِي وَضعهَا فِيهَا تاريخها الْمَاضِي، ويسلك لَهَا السبل والفجاج للعمران الراقي، ولايصلح لأمة من الْأُمَم شرع أمة أُخْرَى مُخَالفَة لَهَا فِي مقوماتها ومشخصاتها وتاريخها، كَمَا أَنه لَا يصلح للغة من اللُّغَات قَوَاعِد لُغَة أُخْرَى فِي صِيغ كلمها وَأَحْكَام تأليفها، إِلَّا إِذا أَرَادَت أمة أَن