تندغم فِي أمة أُخْرَى وتتحد بهَا فتكونا أمة وَاحِدَة كَمَا اتّحدت شعوب كَثِيرَة بِالْإِسْلَامِ فَكَانَت أمة وَاحِدَة ذَات شَرِيعَة وَاحِدَة، وَأما الشعوب الَّتِي تقتبس شرائع شعوب أُخْرَى بِغَيْر تصرف وَلَا اجْتِهَاد فِيمَا تحوله إِلَى مَا يلائم عقائدها وآدابها ومصالحها الَّتِي كَانَ الشّعب بهَا شعبًا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فَإِنَّهَا لَا تلبث أَن تزداد فَسَادًا واضطرابا، ويضعف فِيهَا التماسك والاستقلال الشّعبِيّ فَيكون مَانِعا من الِاسْتِقْلَال السياسي وَمَا يتبعهُ. . فشرع الْأمة عنوان مجدها وشرفها. . وروح حَيَاتهَا ونمائها، وأعجب مَا منى بِهِ بعض الشعوب الإسلامية أَن ترك شَرِيعَة لَهُ ذَات أصل ثَابت فِي الْحق وقواعد كافلة للعدل والمساواة، واستبدل بهَا قوانين شعوب أُخْرَى هِيَ دونهَا فَأَصْبحُوا وَلَا إِمَام لَهُم فِي حياتهم الاشتراعية من أنفسهم، بل هم يقتدون فِيهَا بأفراد من أعاجم الفرنجة يقلدونهم بِمَا خسروا بِهِ أهم مقومات أمتهم، وَأعظم مظهر من مظَاهر شرفهم، وأشرف أثر من آثَار تاريخهم، وَهُوَ الشَّرْع الديني، الَّذِي هُوَ أساس الاشتراع البشري الاجتهادي. . لَا تتسع هَذِه الْخُلَاصَة الَّتِي نكتبها فِي هَذَا الْبَحْث لبَيَان أَنْوَاع الحكومات الغابرة والحاضرة وشأنها فِي الاشتراع وَمَكَان الْمُسلمين فِيهِ، وَإِنَّمَا نقُول إِن صحفنا الْعَرَبيَّة تصرح فِي هَذَا الْعَهْد آناً بعد آخر بِأَن أحدث أصُول التشريع هُوَ أَنه حق للْأمة، ويظن هَؤُلَاءِ الَّذين يَكْتُبُونَ هَذَا وَأكْثر من يقرءُون كَلَامهم أَن هَذَا الأَصْل من وضع الإفرنج، وَأَن الْإِسْلَام لَا تشريع فِيهِ للبشر. لِأَن شَرِيعَته مستمدة من الْقُرْآن، وَالْأَحْكَام المدنية والسياسية فِيهِ قَليلَة محدودة، وَمن السّنة، وَالزِّيَادَة فِيهَا على مَا فِي الْقُرْآن قَليلَة ومناسبة لحَال الْمُسلمين فِي أول الْإِسْلَام دون سَائِر الْأَزْمِنَة وَلَا سِيمَا زَمَاننَا هَذَا، وَأَن الْإِجْمَاع وَالِاجْتِهَاد على استنادهما إِلَى الْكتاب وَالسّنة قد انقطعا وأقفلت أبوابهما باعتراف جَمَاهِير عُلَمَاء السّنة فِي جَمِيع الأقطار الإسلامية، وَأَن هَذَا هُوَ السَّبَب فِي تقهقر الحكومات الإسلامية المتمسكة بالشريعة الدِّينِيَّة، واضطرار الحكومتين لمدنيتين الوحيدتين التركية والمصرية إِلَى استبدال بعض القوانين الإفرنجية بالشريعة الإسلامية تقليدا ثمَّ تشريعا. .
ذَلِك ظن الَّذين يجهلون أصُول الشَّرِيعَة الإسلامية وأساس الاشتراع فِيهَا، الَّذين لَا يفرقون بَين الِاصْطِلَاح الفقهي والاصطلاح العصري فِي التشريع فيعمى عَلَيْهِم الْحَقِيقَة اخْتِلَاف الِاصْطِلَاح، ذَلِك بِأَن اسْم الدّين وَالشَّرْع قد يستعملان