الخلافه (صفحة 96)

عد عُلَمَاء الْأُصُول من جَمِيع الْمذَاهب معرفَة اللُّغَة الْعَرَبيَّة شرطا مُسْتقِلّا للِاجْتِهَاد مَعَ اشْتِرَاط الْعلم بِالْكتاب وَالسّنة، بل صرح بعض أَئِمَّة الْعلمَاء بِأَن معرفَة هَذِه اللُّغَة فرض على كل مُسلم وَإِن مُقَلدًا - وَلَوْلَا أَن جَمِيع سلف الْأمة كَانَ على هَذَا الِاعْتِقَاد لما انتشرت الْعَرَبيَّة فِي خير الْقُرُون فِي كل قطر انْتَشَر فِيهِ الْإِسْلَام من غير مدارس منظمة تديرها الحكومات أَو الجمعيات وَهل لذَلِك من سَبَب غير الِاعْتِقَاد بِالْوُجُوب الديني، وَمن الْآيَات على ذَلِك إِجْمَاع الْعلمَاء فِي كل زمَان وَمَكَان على أَدَاء جَمِيع الْعِبَادَات اللسانية بِهَذِهِ اللُّغَة، كتلاوة الْقُرْآن وأذكار الصَّلَاة وَالْحج وَغَيرهَا، حَتَّى إِنَّهُم لَا يزالون يؤدون بهَا الْوَعْظ من خطْبَة الْجُمُعَة وَالْحَمْد لله والشهادتين والتلاوة وَالدُّعَاء فَقَط، وَلَكِن مِنْهُم من يترجمها بعد الصَّلَاة وَقد نقل إِلَيْنَا من الآستانة أَن أول جُمُعَة حضرها الْخَلِيفَة الروحي الْجَدِيد ألقيت فِيهَا خطْبَة الصَّلَاة باللغة التركية وَمن الْمَعْلُوم من الْإِسْلَام بِالضَّرُورَةِ أننا متعبدون بتدبر الْقُرْآن وَالِاعْتِبَار والاتعاظ بآياته وبفهم تِلَاوَة الصَّلَاة وأذكارها، وكل ذَلِك يتَوَقَّف على معرفَة اللُّغَة الْعَرَبيَّة، وتقصير بعض الْمُسلمين فِي هَذَا الْوَاجِب كتقصيرهم فِي الْوَاجِبَات الْكَثِيرَة الَّتِي أضاعت عَلَيْهِم دينهم ودنياهم.

لَيْسَ من غرضنا هُنَا أَن نَدْعُو أعاجم الْمُسلمين إِلَى تعلم اللُّغَة الْعَرَبيَّة، وَإِنَّمَا الْغَرَض أَن نذْكر حزب الْإِصْلَاح بِمَا لَا يجهله أَكثر رِجَاله من العلاقة القوية بَين منصب الْخلَافَة وَبَين اللُّغَة الْعَرَبيَّة فَإِنَّهُ سيجد فِي اللُّغَة مُعَارضَة شَدِيدَة، وَلَكِن حجَّته قَوِيَّة وَهِي تعذر حَيَاة الْإِسْلَام نَفسه وَالِاجْتِهَاد فِي أَحْكَامه بِدُونِهَا، وَتعذر تعارف الْمُسلمين وَجمع كلمتهم بِالْقدرِ المستطاع بِدُونِهَا، فَفِي كل قطر يسكنهُ الْمُسلمُونَ وكل مَدِينَة مِنْهُ لَا يزَال الْإِسْلَام فِيهَا حَيا، وَيُوجد من أهل الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ من يُمكن التعارف مَعَهم وَنشر مَا يُقرر لخدمة الدّين بسعيهم.

إِن اللُّغَة رابطة من روابط الْجِنْس، وَقد حرم الْإِسْلَام التعصب للْجِنْس لِأَنَّهُ مفرق للْأمة ذَاهِب بالاعتصام والوحدة وَاضع للعداوة مَوضِع الألفة، وَقد نهى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن العصبية العمية الْجَاهِلِيَّة وتبرأ مِمَّن يَدْعُو إِلَيْهَا أَو يُقَاتل عَلَيْهَا، وَقد كَانَ من إصْلَاح الْإِسْلَام الديني والاجتماعي تَوْحِيد اللُّغَة بِجعْل لُغَة هَذَا الدّين الْعَام لُغَة لجَمِيع الْأَجْنَاس الَّتِي تهتدي بِهِ، فَهُوَ قد حُفظ بهَا وَهِي قد حفظت بِهِ. فلولاه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015