عَن عاهل المانية عِنْدَمَا زار الآستانة فِي أَيَّام الْحَرْب أَنه لما اطلع على تهتك النِّسَاء التركيات وبروزهن للرِّجَال متبرجات كنساء الإفرنج عذل طلعت باشا الصَّدْر الْأَعْظَم الاتحادي على ذَلِك قَائِلا إِنَّه كَانَ لكم من دينكُمْ وازع للنِّسَاء عَمَّا نشكو نَحن من غوائله الأدبية والاقتصادية ونعجز عَن تلافيه فَكيف تتفضون مِنْهُ باختياركم؟ إِنَّكُم إِذن لمخطئون.
وَمِمَّا يحسن التَّذْكِير بِهِ من الْمسَائِل الَّتِي يتَمَسَّك جَمَاهِير متفقهة الْمُسلمين فِيهَا بِمَا يُنَافِي ضروريات الحضارة الْحَاضِرَة والمصالح الْعَامَّة زعمهم أَن السَّائِل الْمُسَمّى بالكحول والسبيرتو نجس يحرم اسعماله فِي كل مَا يَسْتَعْمِلهُ فِيهِ الْأَطِبَّاء والصيادلة وَسَائِر الصناع الَّذين يعدونه ضَرُورِيًّا فِي صناعتهم، وَقد أفتى جمَاعَة من فُقَهَاء الْهِنْد بذلك مُنْذُ أشهر ورددنا عَلَيْهِ ردا طَويلا أثبتنا فِيهِ أَن هَذَا السَّائِل طَاهِر ومطهر طبي، وَأَنه من الضروريات الَّتِي يجب الِانْتِفَاع بهَا فِي كثير من الْأَعْمَال، وَأَنه مِمَّا عَمت الْبلوى بِهِ، وَلَكِن الأَصْل فِي فتاوي أَفْرَاد الْعلمَاء أَن يعْمل بهَا من يقتنع بِصِحَّة أدلتها إذاكانت الْفَتْوَى مؤيدة بِالدَّلِيلِ على طَريقَة السّلف الَّتِي تجْرِي عَلَيْهَا فِي الْمنَار، وَمن يَثِق بِعلم صَاحبهَا أَو بِكَوْنِهِ على الْمَذْهَب الَّذِي ينتمي إِلَيْهِ فِي المقلدين، فَليعلم أَنَّهَا لَا تحل المشكلات الْعَامَّة بل تبقي الْأمة مضطربة باخْتلَاف الفتاوي وأقوال الْعلمَاء، وَإِنَّمَا يحل المشكلات الْعَامَّة وَيجمع كلمة الْأمة فِيهَا الإِمَام الْأَعْظَم (الْخَلِيفَة) إِذا كَانَ مُجْتَهدا كَمَا تقدم.
قد ثَبت مِمَّا تقدم أَن الْجمع بَين حضارة الْعَصْر وفنونه وَبَين الْمُحَافظَة على الْإِسْلَام لَا يتم إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْع فَكَذَلِك لَا يكون الْخَلِيفَة هُوَ الإِمَام الْحق الَّذِي تجب طَاعَته ويمكنه نشر دَعْوَة الدّين والمحافظة عَلَيْهِ ومقاومة الْبدع وَإِزَالَة الْخلاف بَين الْأمة فِي الْمسَائِل الاجتماعية والمدنية الْعَامَّة إِلَّا إِذا كَانَ مُجْتَهدا، وَالِاجْتِهَاد يتَوَقَّف على اتقان اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَفهم أساليبها وخواص تراكيبها والملكة الراسخة فِي فنونها، للتمكن من فهم نُصُوص الْكتاب وَالسّنة وهما فِي الذرْوَة الْعليا من هَذِه اللُّغَة، وَقد