الإسلامية إِلَّا مَسْأَلَة رد شَهَادَة غير الْمُسلم على الْمُسلم، وَهِي مَسْأَلَة لَا يقوم دَلِيل على إِطْلَاق القَوْل فِيهَا بل لَهَا مخرج من الْكتاب وَالسّنة وأصول الشَّرِيعَة فقد قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْمَائِدَة وَهِي من آخر مَا نزل من الْقُرْآن لَيْسَ فِيهَا حكم مَنْسُوخ {يأيها الَّذين آمنُوا شهادةَ بينكِم إِذا حضر أحدَكم الموتُ حِين الوصيةِ اثْنَان ذَوَا عدل مِنْكُم أَو أخران من غَيْركُمْ} الْآيَة. . والمتبادر الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور السّلف وَالْخلف أَن المُرَاد بغيركم غير المخاطبين بِالْآيَةِ وهم الْمُسلمُونَ، رخصه بعض الْعلمَاء بِأَهْل الْكتاب، وَلَا دَلِيل على هَذَا التَّخْصِيص وَقَيده بَعضهم بِمثل الْحَالة الَّتِي نزلت فِيهَا الْآيَة بِنَاء على أَن الأَصْل فِي الشَّهَادَة غير الْمُسلم الْعدْل أَن ترد لقَوْله تَعَالَى: {وَأشْهدُوا ذوَى ْ عدل مِنْكُم}
وَقد بَينا ضعف الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَة على مَا ذكر فِي تَفْسِير آيَة الْمَائِدَة بتفصيل مِنْهُ أَن هَذَا فِي الْأَمر بِالْإِشْهَادِ فِي مَسْأَلَة المطلقات المعتدات من المسلمات لَا فِي الشَّهَادَة مُطلقًا، وَلَا فِي كل إِشْهَاد، وَقد قَالَ تَعَالَى فِي الْإِشْهَاد على الْأَمْوَال: {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم} وَلم يُقيد هَذَا الْإِشْهَاد بالعدول من الْمُؤمنِينَ كَمَا قَيده فِي الْمَسْأَلَة الْخَاصَّة بِالنسَاء المسلمات، وَبينا ضعف حمل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي الْآيَتَيْنِ مَعَ اخْتِلَاف موضوعهما، وَالْفرق بَين الْإِشْهَاد وَالشَّهَادَة، كَمَا بَينا ضعف القَوْل بِأَن غير الْمُسلم لَا يكون عدلا بِدَلِيل الْقُرْآن إِذْ جَاءَ فِيهِ: {ومِن قوم مُوسَى أُمةٌ يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} وَقَوله: {ومِن أهل الْكتاب مَن إنْ تأمَنه بقنطار يُؤَدِّه إِلَيْك} كَمَا بَينا ضعفه بِدَلِيل سيرة الْبشر الْمَعْلُومَة بِالِاخْتِيَارِ وَالْعقل وَهُوَ أَنه لم تُوجد أمة من الْأُمَم جردت من الصدْق وَالْعَدَالَة بِحَيْثُ لَا يصدق أحد من أَهلهَا، وَبينا أَيْضا سَبَب تَفْضِيل الْفُقَهَاء للْمُسلمِ على غَيره فِي الشَّهَادَة من أَرْبَعَة أوجه أهمها مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ الْأَولونَ من التَّقْوَى والصدق وَعدم الْمُحَابَاة عملا بوصايا الدّين الَّتِي تقدم بعض الْآيَات فِيهَا آنِفا وَمَا اتّفق عَلَيْهِ المؤرخون فِي مُقَابلَة ذَلِك من غَلَبَة فَسَاد الْأَخْلَاق على الْأُمَم الْأُخْرَى الَّتِي فتح الْمُسلمُونَ بلادها.
وَفِي أصُول الشَّرِيعَة مُسْتَند آخر لشهادة غير الْمُسلم وَهُوَ دُخُولهَا فِي عُمُوم الْبَيِّنَة إِذا ثَبت عندالقاضي صدقه فِيهَا فَإِن الْبَيِّنَة فِي اللُّغَة كل مَا يتَبَيَّن بِهِ الْحق وَقد فصل الْمُحَقق ابْن القيّم هَذَا الْمَعْنى فِي كِتَابه (أَعْلَام الموقعين) ونشرنا ذَلِك فِي الْمنَار وَبينا أَنه يدْخل فِي عُمُوم الْبَيِّنَة كل مَا تجدّد فِي هَذَا الْعَصْر من أَنْوَاع الجرائم كأثر خطوط