إكراههم على دين الْإِسْلَام أَو سنّ قوانين استثنائية لقهرهم وإذلالهم، وَفِي التَّارِيخ العثماني أَن السُّلْطَان سُلَيْمَان استفتى شيخ الْإِسْلَام أَبَا السُّعُود الْعِمَادِيّ الدِّمَشْقِي الأَصْل فِي إِكْرَاه النَّصَارَى على الْإِسْلَام أَو الْجلاء فَأبى أَن يفتيه، وَبَين لَهُ أَن الشَّرِيعَة لَا تبيح ذَلِك فأذعن، وَكَانَ يُرِيد أَن يفعل بهم كَمَا فعلت الدولة الإسبانية بمسلمي الأندلس
وثمة فرق آخر بَين الشَّرْع الإسلامي والاشتراع البشري الَّذِي لَا تتقيد حكومته بِالدّينِ، هُوَ فِي مصلحَة غير الْمُسلمين أَيْضا، وَهُوَ أَن كل مُسلم يعْتَقد أَن الحكم الشَّرْعِيّ حكم إلهي وَأَن طَاعَته قربَة وزلفى عِنْد الله يُثَاب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة، وعصيانه عصيان لله تَعَالَى يُعَاقب عَلَيْهِ فِيهَا، سَوَاء حكم بِهِ الْحَاكِم عَلَيْهِ أم لَا، وَلَكِن حكم الْحَاكِم يرفع خلاف الْمذَاهب، فَتكون طَاعَته ضربا لازبا. وَهَذَا ضَمَان لغير الْمُسلم الْوَازِع فِيهِ نَفسِي وَلَا ضَمَان مثله للْمُسلمِ من غَيره.
(فَإِن قيل) كل ذِي دين يُحَاسب نَفسه (أَو ضَمِيره) على مَا يَعْتَقِدهُ من حق عَلَيْهِ (قُلْنَا) هَذَا عَام مُشْتَرك وَمَا نَحن فِيهِ أخص مِنْهُ، وَهُوَ احترام الحكم الشَّرْعِيّ وَوُجُوب طَاعَة الْحَاكِم إِذا حكم عَلَيْهِ سَوَاء اعْتقد صِحَّته أم لم يعْتَقد - وَإِن أَمن عِقَاب الْحُكُومَة فِي التفصي مِنْهُ بالحيلة.
وَجُمْلَة القَوْل أَنه لَيْسَ فِي الشَّرِيعَة ظلم لغير الْمُسلم يعْذر بِهِ على كراهتها، وَهِي تَسَاوِي بَين أَضْعَف ذمِّي أَو معاهد وَبَين الْخَلِيفَة الْأَعْظَم فِي موقف الْقَضَاء وَتَقْرِير الْحُقُوق، والشواهد على هَذَا فِي عصر الْخلَافَة الراشدة وَمَا بعْدهَا مُتعَدِّدَة. وإننا نصرح بِكُل قُوَّة بِأَن الْعدْل الْعَام الْمُطلق لم يُوجد إِلَّا فِي الْإِسْلَام. وَمَا وَقع من شذوذ بعض حكام الْمُسلمين فِي ظلم بعض الذميين فَإِنَّمَا كَانَ من أقلهم علما واهتداء بِالدّينِ، وَلم يكن خَاصّا بِغَيْر الْمُسلمين وَلَا شئ ينْتَقد من أَئِمَّة الْعدْل وخلفاء الْحق إِلَّا بعض الْمُعَامَلَات الاستثنائية فِي أزمنة الْفَتْح مِمَّن غفل عَن كَونهَا أحكاما عسكرية مُؤَقَّتَة. فَأَرَادَ جعلهَا دائمة. على أَن الْإِسْلَام كَانَ أعدل وأرحم فِيهَا من جَمِيع الْبشر حَتَّى قَالَ أحد حكماء أوربة المنصفين: مَا عرف التَّارِيخ فاتحا أعدل وَلَا أرْحم من الْعَرَب.
وَلَا نَعْرِف لَهُم مطعنا فِي الْمُسَاوَاة الشَّرْعِيَّة فِي الْأَحْكَام الَّتِي عملت بهَا جَمِيع الدول