فِي الْعَالم الإسلامي بمالنا من الاختبار، وَكَثْرَة مَا يرد علينا من الرسائل والمسائل من الأقطار، وَمن أحدثها سُؤال ورد من قطر إسلامي عَن أقل مَا يكون بِهِ الْإِنْسَان الْجَاهِل الأعجمي مُسلما، لِأَن أَهله أَجْهَل وأضل من مُسْلِمِي (بنوك - سيام) الَّذين وصف لنا سوء حَالهم من سَأَلنَا عَن صِحَة إسْلَامهمْ ونشرناه فِي الْمنَار من قبل. وَقد بَقِي عِنْد كل مِنْهُمَا بَقِيَّة مِمَّن يَدعِي الْعلم يحفظون من مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أحكاما اجتهادية يحتمون على النَّاس الْعَمَل بهَا فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَغَيرهَا فَأدى ذَلِك إِلَى ترك صَلَاة الْجُمُعَة فَترك صَلَاة الْجَمَاعَة من بَعضهم، بل إِلَى ترك الصَّلَاة مِمَّن يعسر عَلَيْهِم حفظ الْفَاتِحَة وتجويدها بِإِخْرَاج الْحُرُوف من مخارجها وَتَشْديد المشدد مِنْهَا وَلَا سِيمَا الْيَاء فِي {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فَإِن تَخْفيف المشدد فِيهَا مُبْطل للصَّلَاة عِنْد الشَّافِعِيَّة.
وَمن أحدثها سُؤال بعض أهل الْعلم فِي جاوه عَن حكم مَا جروا عَلَيْهِ بِأَمْر حكامهم الْمُسلمين من إِلْزَام كل من يتَزَوَّج بِأَن يُطلق الْمَرْأَة الَّتِي يعْقد عَلَيْهَا عقب العقد طَلَاقا مُعَلّقا على التَّقْصِير فِي النَّفَقَة عَلَيْهَا، أَو ضربهَا، أَو على الْغَيْبَة عَنْهَا، وَتركهَا بِغَيْر نَفَقَة بِالصّفةِ الَّتِي يرى الْقَارئ بَيَانهَا فِي بَاب الْفَتْوَى من الْمنَار.
إِن كثيرا من أهل الْعلم الساعين لإِصْلَاح حَال الْمُسلمين فِي الأقطار الْمُخْتَلفَة يعْملُونَ بِمَا ننشر فِي الْمنَار من الْحَقَائِق الدِّينِيَّة بالأدلة التفصيلية، ويسألنا بَعضهم عَمَّا يعرض عَلَيْهِ ممالم ير حكمه فِيهِ، ويجد هَؤُلَاءِ وأمثالهم معارضين فِي بعض الْبِلَاد من مقلدة بعض الْمذَاهب لما يُخَالف مَذْهَبهم، وَلَكنهُمْ لَا يعنون بنشر مذاهبهم وَحمل النَّاس عَلَيْهَا، بل يتركونهم فوضى فِي أَمر دينهم لَا يبالون بتركهم للفرائض، وَلَا باقترافهم لكبائر الْمعاصِي وَإِنَّمَا يهتمون بمعارضة بعض الْمسَائِل الَّتِي تخَالف مَذْهَبهم كَصَلَاة الْجُمُعَة بِمَا دون أَرْبَعِينَ رجلا حرا بَالغا مُقيما فِي دَاخل سور الْبَلَد لَا يظعن عَنْهَا، وَإِن أدَّت هَذِه الْمُعَارضَة إِلَى ترك الْجُمُعَة الْبَتَّةَ، فَإِذا صَار للْمُسلمين إِمَام وَجَمَاعَة من أهل الْعلم الاجتهادي وَالْعَدَالَة يستمد مِنْهُمَا دعاة الْإِصْلَاح الْعلم والإرشاد، فَإِنَّهُ لَا يلبث أَن يعم ذَلِك مُسْلِمِي جَمِيع الْبِلَاد.
وَقد سبق لنا أَن اقترحنا فِي المجلد الأول من الْمنَار ضروبا من الْإِصْلَاح على مقَام الْخلَافَة الإسلامية الرسمي - وَإِن كَانَت خلَافَة تغلب - لِأَن بِلَادنَا كَانَت خاضعة