الخلافه (صفحة 111)

فِيمَا وَافق الشَّرْع إِلَّا على من هُوَ متغلب عَلَيْهِم، فقد كَانَ السُّلْطَان عبد الحميد يَدعِي الْخلَافَة، وَلما لم يكن مستجمعاً لشروطها وَلَا قَائِما بواجباتها لم يكن مسلمو الأفغان واليمن ونجد وَالْمغْرب الْأَقْصَى يُؤمنُونَ بِصِحَّة خِلَافَته، وَلَا يَعْتَقِدُونَ وجوب طَاعَته، فيجعلوا حكوماتهم تَابِعَة لدولته، بل لم يكن أهل مصر الَّذين كَانُوا تَحت سيادته السياسية معترفين بخلافته، يقبلُونَ أَن يكون لَهُ عَلَيْهِم أَمر وَلَا نهي، وَإِنَّمَا كَانَ اعترافهم أمرا صورياً معنوياً يتوكأون عَلَيْهِ فِي مقاومة السيطرة البريطانية عَلَيْهِم، كَمَا هُوَ شَأْنهمْ وشأن أمثالهم فِي الِاعْتِرَاف بالخلافة الاسمية الحديثة فِي الآستانة على مَا بَيناهُ فِي مَوْضِعه من هَذَا الْبَحْث، وَهَذِه الْخلَافَة الحديثة لَا تبلغ دَرَجَة التغلب، فَإِن الَّذين ابتدعوها لم يجعلوها ذَات أَمر وَلَا نهي فِي حكومتهم.

وَأما إِذا نفذ مَا اقترحناه وَبينا طَرِيقه من إِقَامَة الْإِمَامَة الْحق، وَلَو فِي بقْعَة صَغِيرَة من الأَرْض، فَإِن جَمِيع الْعَالم الإسلامي يذعن لَهَا إذعانا نفسياً منشأة العقيدة الدِّينِيَّة وَلَا تَجِد حُكُومَة من الحكومات الإسلامية مجالا لِلطَّعْنِ فِيهَا، وَلَا يكون لأحد من المصطنعين للأجانب سَبِيل لإنكارها، وَحِينَئِذٍ يسْعَى كل شعب إسلامي للاعتصام بهَا فالشعب الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يتبع حُكُومَة الإِمَام الْحق لقهر دولة قَوِيَّة لَهُ يجْتَهد ويتحرى أَن يتبع جمَاعَة الْمُسلمين وإمامهم كَمَا أمره الله وَرَسُوله فِيمَا لَا سيطرة لحكومته عَلَيْهِ فِيهِ من نظام التربية الدِّينِيَّة والتعليم الإسلامي وَالْأَحْكَام الشخصية، بل قد تضطر كل حُكُومَة مسيطرة على شعب إسلامي أَو أَكثر أَن تستميله بِقدر مَا ترى فِيهِ من الْوحدَة والرأي الْعَام بموادة خَليفَة نبيه، والسماح لَهُ بِأَن يتلَقَّى الْإِرْشَاد الديني من قبله كَمَا هُوَ شَأْن الكاثوليك مَعَ البابا.

وَلَعَلَّ هَذَا بعض مَا يقْصد إِلَيْهِ التّرْك من إِيجَاد خَليفَة روحاني كالبابا والبطاركة عِنْد النَّصَارَى، وَلَكِن الْمَسْأَلَة دينية شَرْعِيَّة يجب فِيهَا الِاتِّبَاع، وَلَا يُمكن أَن تنجح بالمواضعة والابتداع، وَإِن كَانَ يود ذَلِك الكثيرون مِمَّن يقدمُونَ السياسة على الدّين، وَقد جهل هَذَا بعض الَّذين أظهرُوا اسْتِحْسَان عمل التّرْك وتجاهله بعض آخر أَو غفل عَنهُ، وَظن كل مِنْهُم أَن هَذَا كَاف فِي حُصُول مَا يرغبون فِيهِ من نكاية أَعدَاء الْإِسْلَام وغيظهم، وَشد أزر الشّعب التركي ومؤازرته عَلَيْهِم، وَذَلِكَ ظن الْجَاهِلين بشئون الْعَالم وسياسة الدول ودرجة اختبارها كَمَا نبينه فِي الْمَسْأَلَة التالية:

لَعَلَّنَا من أدرى النَّاس بِمَا يَتَرَتَّب على إِقَامَة الْإِمَامَة الْحق من الْإِصْلَاح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015