وقد يقال: إن عدد الجنح لا يمثل الزيادة الحقيقية؛ لأن الجنح المعاقب عليها يزيد عاماً بعد عام فتزداد تبعاً لذلك في مجموعها، وهو قول صحيح إلى حد ما، فلنترك العدد العام للجنح ولنأخذ جريمة السرقة مقياساً فهي أحرى أن تصل بنا إلى نسبة الزيادة الصحيحة، ففي سنة 1900 كان عدد جنح السرقة 9356،وفي سنة 1901 بلغ عدد الجنح 15993 جنحة، وفي سنة 1912 بلغ 23834 جنحة، وفي سنة 1916 بلغ 44110،وفي سنة 1926 بلغ 54326 جنحة، وفي سنة 1939 بلغ 65587 جنحة. ومعنى هذا أن عدد جنح السرقة زاد في ثمانية وأربعين عاماً سبعة أمثال ما كان عليه، وهي نسبة لا تبررها زيادة السكان ولا يقوم بها أي عذر مهما اختلفت المعاذير، فالسكان لم يتضاعف عددهم مرة واحدة

فكيف تتضاعف الجنح سبع مرات والجنايات ثلاث مرات؟ والحالة الاقتصادية مهما قيل فيها لا يكون سبباً في ازدياد الجرائم ما دامت العقوبة رادعة، وليس أدل على صحة هذا القول من الحالة في المملكة الحجازية، فلا شك أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية في مصر أفضل منها في الحجاز، ومع ذلك فقد قلت الجرائم في الحجاز وازدادت في مصر، وانتشر الأمن هناك واختل هنا.

ولقد كان الحجاز في يوم ما مضرب الأمثال في اختلال الأمن والنظام والجرأة على ارتكاب الجرائم وترويع الآمنين والحجاج المسافرين وقطع الطرق عليهم لنهب مالهم ومتاعهم، ولعل الحالة الاقتصادية والاجتماعية في الحجاز الآن ليست خيراً منها يوم كان الفساد مستشرياً في الحجاز، والفرق بين الحجاز قديماً وحديثاً وهو نفس الفرق بين مصر والحجاز اليوم، هو وجود العقوبة الرادعة في الحجاز الآن وانعدام هذه العقوبة في مصر اليوم، فهذه العقوبة الرادعة هي التي وطدت الأمن في الحجاز وقضت على السلب والنهب وقطع الطريق وجعلت الأمن فيه مضرب الأمثال، فلا يسقط من مسافر شئ إلا وجده في دار الشرطة، ولا يضيع لأحد شيء إلا رد إليه حيث كان ولو لم يبلغ بضياعه ما دام مع المال ما يدل على اسم صاحبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015