فمن الخطأ إذن بعد قيام هذا المثل العلمي أن نحتج لزيادة الجرائم بالحالة الاجتماعية والاقتصادية أو بازدياد السكان؛ لأن الجريمة مرض علاجه العقوبة، فإذا نجح أولو الأمر في وصف العلاج الذي يوافق المرض انتهى المرض أو سكنت حدته على أقل الفروض، وإن لم يوفق أولو الأمر في وصف العلاج الناجع طال المرض وأعضل وعانى منه المجتمع أشد المعاناة.

كيف نتخلص من عيوب الأنظمة الوضعية؟

تبينا فيما سبق النتائج السيئة للعقوبات التي فرضتها علينا الأنظمة الوضعية، فإذا هي تضييع للأموال والجهود وإفساد للنفوس والأخلاق والصحة، وليس بعد ذلك إلا ازدياد الجرائم وجرأة المجرمين، والإخلال بالأمن وتوهين النظام، وذهاب هيبة الحكومة وسطوتها وفرض سلطان الأشقياء والمجرمين على السكان الآمنين، ولا خلاص من هذه النتائج المحزنة إلا بالتخلص من النظام كله، وإن في بعض هذه النتائج ما يكفي وحده لإلغاء هذا النظام. وإذا كان الناس لا يلغون أنظمتهم بسهولة ولو تيقنوا من فسادها إلا إذا وجدوا خيراً منها، فإن لدينا نظاماً هو خير الأنظمة التي عرفها البشر وأقدرها على حماية الجماعة ومكافحة الجريمة وإصلاح المجرم، ذلك هو النظام الإسلامي الذي أثبتت التجربة نجاحه في كفاح الجريمة والقضاء على الإجرام.

وليست ميزة النظام الإسلامي الوحيدة في أن التجربة أثبتت نجاحه وصلاحيته، ولكنه يمتاز أيضاً بأن الأسس التي يقوم عليها كفيلة بأن تقضي على العيوب التي تصحب العقوبة الوضعية، كما هي كفيلة بأن توفر على العالم المجهودات العظيمة التي تبذل لتخفيف أضرار هذه العقوبات والأموال الكثيرة التي تنفق في سبيل تنفيذها.

وأول عيوب النظام الوضعي أنه يؤدي إلى تعطيل العقوبات الأصلية وتخفيفها، وفي الشريعة ما يحول دون ذلك في الجرائم الخطيرة التي تمس كيان الجماعة، حيث تفرض الشريعة لهذه الجرائم عقوبات مقدرة معينة ليس للقاضي أن ينقص منها شيئاً أو يستبدل بها غيرها مهما كانت ظروف الجاني؛ لأن مصلحة الجماعة في هذه الجرائم الخطيرة توضع فوق كل مصلحة وتتغلب على كل اعتبار، أما الجرائم التي لا تمس كيان الجماعة فيجوز للقاضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015