مفهوم الحبس الشرعي عند ابن تيمية

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"إِنَّ " الْحَبْسَ الشَّرْعِيَّ " لَيْسَ هُوَ السِّجْنَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْوِيقُ الشَّخْصِ وَمَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ كَانَ بِتَوْكِيلِ نَفْسِ الْخَصْمِ أَوْ وَكِيلِ الْخَصْمِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَسِيرًا كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فعن هِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِغَرِيمٍ لِي، فَقَالَ لِي: «الْزَمْهُ»،ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِكَ؟» (?) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَه عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِغَرِيمٍ لِي، فَقَالَ لِي: «الْزَمْهُ» (?)،وَهَذَا هُوَ الْحَبْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ حَبْسًا مُعَدًّا لِسَجْنِ النَّاسِ وَلَكِنْ لَمَّا انْتَشَرَتْ الرَّعِيَّةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ابْتَاعَ بِمَكَّةَ دَارًا وَجَعَلَهَا سِجْنًا وَحَبَسَ فِيهَا. فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ قَالَ:" اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، دَارُ السِّجْنِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنْ رَضِيَهَا وَإِنْ كَرِهَهَا، أَعْطَى نَافِعٌ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَمِائَةٍ، (?)

وَلَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ هَلْ يَتَّخِذُ الْإِمَامُ حَبْسًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَمَنْ قَالَ: لَا يَتَّخِذُ حَبْسًا؛ قَالَ: يَعُوقُهُ بِمَكَانِ مِنْ الْأَمْكِنَةِ أَوْ يُقَامُ عَلَيْهِ حَافِظٌ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى " التَّرْسِيمُ ".وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ تَعْوِيقًا وَمَنْعًا مِنْ جِنْسِ السَّجْنِ وَالْحَبْسِ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يُحْضَرُ الْخَصْمُ الْمَطْلُوبُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى؟ أَمْ لَا يُحْضَرُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُبْتَذَلُ بِالْحُضُورِ حَتَّى يَبِينَ لِمُدَّعِي الدَّعْوَى أَصْلٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد." وَالثَّانِي " قَوْلُ مَالِكٍ." وَالْأَوَّلُ " قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: الْحَبْسُ فِي التُّهْمَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْوَالِي وَالِي الْحَرْبِ؛ دُونَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزبيري وَأَقْضَى الْقُضَاةِ الماوردي وَغَيْرِهِمَا. وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015