أَحْمَد الْمُصَنِّفِينَ فِي " أَدَبِ الْقُضَاةِ " وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ: هَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ؟ أَوْ مَرْجِعُهُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالْقَاضِي الماوردي وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَهْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزبيري. وَقِيلَ: هُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الماوردي. (?)
الْقِسْمُ " الثَّالِثُ " أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ مِثْلَ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَالْمُتَّهَمِ بِقَطْعِ طَرِيقٍ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِهِ وَالْمُتَّهَمِ بِالْقَتْلِ أَوْ كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مَعْرُوفًا بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُولِ فَحَبْسُ الْمَعْرُوفِ بِالْفُجُورِ أَوْلَى وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّبِعِينَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ وَيُرْسَلُ بِلَا حَبْسٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ وُلَاةِ الْأُمُورِ؛ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ مَذْهَبُ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ هُوَ الشَّرْعُ فَهُوَ غَلَطَ غَلَطًا فَاحِشًا مُخَالِفًا لِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَبِمِثْلِ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ اسْتَجْرَأَ الْوُلَاةُ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ مُجَرَّدَ الشَّرْعِ لَا بِسِيَاسَةِ الْعَالَمِ وَبِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ وَاعْتَدَوْا حُدُودَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. وَتَوَلَّدَ مِنْ جَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ بِحَقِيقَةِ الشَّرْعِ خُرُوجُ النَّاسِ عَنْهُ إلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْبِدَعِ السِّيَاسِيَّةِ. فَهَذَا الْقِسْمُ فِيهِ مَسَائِلُ الْقَسَامَةِ وَالْحُكْمُ فِيهَا مَعْرُوفٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا هَاهُنَا. وَأَمَّا التُّهْمَةُ فِي السَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِمَا فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَبْسِ فِيهِمَا.
وَأَمَّا الِامْتِحَانُ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ: يُشْرَعُ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي؟ أَمْ يُشْرَعُ لِلْوَالِي دُونَ الْقَاضِي؟ أَمْ يُشْرَعُ الضَّرْبُ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا؟ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ".
" أَحَدُهَا " أَنَّهُ يُضْرَبُ فِيهَا الْقَاضِي وَالْوَالِي وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ أَشْهَبُ قَاضِي مِصْرَ قَالَ أَشْهَبُ: يُمْتَحَنُ بِالسِّجْنِ وَالْأَدَبِ وَيُضْرَبُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا. (?)