فأراد أن تكون "يده عند القوم" وسيلة لتحصيل مقصوده وهو "الدفع عن أهله"،فحقيقة ما فعله لا يخرج عن كونه إفشاء سرٍ مجردٍ أُمر بكتمه وإخفائه، فخالف فيه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في بعض الروايات أن حاطباً كان من بين من سارهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعزمه على غزو مكة، ففي مسند أبي يعلى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ، أَرْسَلَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَنَّهُ يُرِيدُ مَكَّةَ فِيهِمْ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّهُ يُرِيدُ حُنَيْنًا، قَالَ: فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُكُمْ، قَالَ: فَأُخْبِرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: فَبَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَبَا مَرْثَدٍ، وَلَيْسَ مَعَنَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهُ فَرَسٌ، فَقَالَ: «ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بِهَا امْرَأَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا»،قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى رَأَيْنَاهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَقُلْنَا لَهَا: هَاتِ الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، قَالَ: فَوَضَعْنَا مَتَاعَهَا، فَفَتَّشْنَاهَا، فَلَمْ نَجِدْهُ فِي مَتَاعِهَا، فَقَالَ أَبُومَرْثَدٍ: فَلَعَلَّ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا كِتَابٌ، فَقُلْنَا: مَا كُذِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،وَلَا كَذَبَنَا، فَقُلْنَا لَهَا: لَتُخْرِجِنَّهُ أَوْ لَنُعَرِّيَنَّكِ، فَقَالَتْ: أَمَا تَتَّقُونَ اللَّهَ؟ أَمَا أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟ فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّهُ أَوْ لَنُعَرِّيَنَّكِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ حُجْزَتِهَا، فَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ: وَأَخْرَجَتْهُ مِنْ قُبُلِهَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -،فَإِذَا الْكِتَابُ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَانَ اللَّهَ، خَانَ رَسُولَهُ، ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَيْسَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ عُمَرُ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ قَدْ نَكَثَ وَظَاهَرَ أَعْدَاءَكَ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" فَلَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ "،فَفَاضَتْ عَيْنَا عُمَرَ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى حَاطِبٍ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟»،قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، فَكَانَ بِهَا أَهْلِي وَمَالِي، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَمْنَعُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لِمُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ حَاطِبٌ، فَلَا تَقُولُوا لِحَاطِبٍ إِلَّا خَيْرًا» قَالَ حَبِيبٌ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1] (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015