مَحْظُورًا أَو ادّعى فِي ذَلِك مَا يحْتَمل التَّأْوِيل كَانَ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك وَإِن كَانَ غَالب الظَّن بِخِلَافِهِ.] (?)

وقال الإمام البغوي -رحمه الله-: [وفِي حَدِيث حَاطِب دلِيل على أَن حكم المتأول فِي اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور خلاف حكم المتعمِّد لاستحلاله من غيْر تَأْوِيل، وَأَن من تعاطى شيْئًا من الْمَحْظُور، ثُمّ ادّعى لهُ تَأْوِيلا مُحْتملا، لَا يقبل مِنْهُ، وَأَن من تجسّس للْكفَّار، ثُمّ ادّعى تَأْوِيلا، وجهالة يُتجافى عَنهُ.] (?)

الراجح

والذي يظهر -والله تعالى أعلم- هو ما ذهب إليه الأولون من كون ما فعله حاطب رضي الله تعالى عنه معصية من المعاصي وكبيرة من الكبائر التي لا ترتقي إلى درجة الكفر، إلا أن القصة نفسها تدل على أن جنس هذا الفعل - أي الدلالة على عورات المسلمين- هو من الأمور المكفِّرة وليست كسائر المعاصي، فلا تعارض بين ما قررناه أعلاه من أن مظاهرة الكفار على المسلمين -والتي منها التجسس لهم بتتبع عوراتهم- هي كفر أكبر مخرجٌ من الملة، وبين ما ذهب إليه كثيرٌ من العلماء من أن فعل حاطب رضي الله عنه هو من قبيل الكبائر التي كفرتها الحسنات وذلك لما يأتي:

أولاً: إن مقصد حاطب رضي الله عنه لم يكن إطلاع الكفار على أسرار المسلمين لينتفعوا بها في حربهم لهم وتمهيد السبيل للنكاية بهم وظهورهم عليهم، وإنما كان أصل مقصده وأساسه ومطلبه الأول هو الحفاظ على أبنائه، وذلك "بمنته" على الكفار بما أعلمهم به من عزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على غزوهم وهذا ظاهر من قول حاطب نفسه حينما سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عما دفعه إلى ذلك: [أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ،] (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015