يَكُونَ كَافِرًا مُسْتَحِقًّا لِلنَّارِ إذَا كَفَرَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: مَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ، وَإِنْ أَذْنَبُوا لَا يَمُوتُونَ إلَّا عَلَى التَّوْبَةِ; وَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ وُجُودَ التَّوْبَةِ إذَا أَمْهَلَهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِهِ أَوْ يَفْعَلَ مَا يَقْتَطِعُهُ بِهِ عَنْ التَّوْبَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ في مَعْلُومِ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ، وَإِنْ أَذْنَبُوا فَإِنَّ مَصِيرَهُمْ إلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى الْمَالِ وَالْوَلَدِ لَا يُبِيحُ التَّقِيَّةَ فِي إظْهَارِ الْكُفْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ; لِأَنَّ اللَّهَ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ مَا فَعَلَ حَاطِبٌ مَعَ خَوْفِهِ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ:"لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك أَوْ لَتَكْفُرَنَّ" أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ إظْهَارُ الْكُفْرِ.] (?)
فالظن المقصود في قوله -رحمه الله-: (ومثل هذا الظن إذا صدر عنه الكتاب ... إلخ) هو ما تأوله حاطب لنفسه في إرسال الرسالة، ويبين ذلك قوله عن عمر -رضي الله عنه-: (لأنه ظن أنه فعله عن غير تأويل) أي فلهذا أكفره وطلب ضرب عنقه، والله تعالى أعلم.
وكثيرٌ من المعاصرين يذهبون هذا المذهب، ويرجحون القول بأن ما فعله حاطب رضي الله عنه كان كفراً، أو نفاقاً أكبر، لأنه من جنس مظاهرة الكفار على المسلمين، وإنما لم يحكم عليه بالكفر لتأويله، بل إن بعضهم لا يكاد يذكر القول الآخر إطلاقاً ولا يشير إليه أدنى إشارة، لتأكد هذا الحكم في نفسه وظهوره عنده.
هذا ويفهم من كلام بعض العلماء أن حاطباً رضي الله عنه قد استباح محظوراً (أي محرماً) -وهذا كفرٌ- إلا أن استباحته له كانت بتأويل ولهذا لم يحكم عليه بالكفر، وليس المقصود أنهم اشترطوا الاستحلال في فعل مكفِّرٍ، ولكنهم أخبروا أن حاطباً استحل محرماً، وهذا الاستحلال يعدُّ كفراً إلا أنه -رضي الله عنه- قد استحله بتأويل، فالأمر المكفِّر في قول هؤلاء العلماء هو الاستحلال للمحرم لا نفس الجسّ الذي فعله حاطب رضي الله عنه.
قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: [وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن حكم المتأول فِي اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور خلاف حكم الْمُتَعَمد لاستحلاله من غير تَأْوِيل، وَدلّ على أَن من أَتَى