يلزم من عدم تكفير حاطب كون الفعل في أصله ليس كفراً إذ قد يكون عنده عذرٌ شرعيٌ يمنع من إسقاط حكم الكفر عليه.
وغير ذلك من الأقوال المعلومة عنهم.
وأما عن الاحتمال الثاني: وهو كون فعل حاطب رضي الله عنه في أصله فعلا مكفراً، وإنما لم يكفر حاطب لقيام مانع في حقه، فمن ذلك:
ما قاله الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: [قال القاضي أبو يعلى: في هذه القصة دلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إِظهار الكفر، كما يبيح في الخوف على النفس، ويبين ذلك أن الله تعالى فرض الهجرة، ولم يعذرهم في التخلُّف لأجل أموالهم وأولادهم. وإنما ظن حاطب أن ذلك يجوز له ليدفع به عن ولده كما يجوز له أن يدفع عن نفسه بمثل ذلك عند التقيَّة، وإِنما قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق لأنه ظن أنه فعل ذلك عن غير تأويل .. ] (?)
وكلامه رحمه الله كالصريح في أن ما فعله حاطب رضي الله عنه كان كفراً، وإنما منع من تنزيل الحكم عليه تعييناً تأويله.
ومما هو محتملٌ لهذا المعنى وقريبٌ مما قاله القاضي أبو يعلى قول الإمام أبي بكر الجصاص الحنفي في تفسير آية الممتحنة: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُ مَا فَعَلَهُ حَاطِبٌ لَا يُوجِبُ الرِّدَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ; لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ وَلَدِهِ وَمَالِهِ كَمَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِهِ عِنْدَ التَّقِيَّةِ وَيَسْتَبِيحُ إظْهَارَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَمِثْلُ هَذَا الظَّنِّ إذَا صَدَرَ عَنْهُ الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْإِكْفَارَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِكْفَارَ لَاسْتَتَابَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا لَمْ يَسْتَتِبْهُ وَصَدَّقَهُ عَلَى مَا قَالَ عُلِمَ أَنَّهُ مَا كَانَ مُرْتَدًّا. وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ; لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ عَنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ عُمَرَ مِنْ قَتْلِهِ; لِأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَقَالَ:"مَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" فَجَعَلَ الْعِلَّةَ الْمَانِعَةَ مِنْ قَتْلِهِ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَمَا ظَنَنْتَ; لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَا يَمْنَعُ أَنْ