حاطب مُكَفَّرًا بِشُهُودِهِ بَدْرًا، فَإِنَّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَسَنَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَتَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهَا وَرِضَاهُ بِهَا وَفَرَحِهِ بِهَا وَمُبَاهَاتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ بِفَاعِلِهَا، أَعْظَمُ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةُ الْجَسِّ مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَتَضَمَّنَتْهُ مِنْ بُغْضِ اللَّهِ لَهَا، فَغَلَبَ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ فَأَزَالَهُ وَأَبْطَلَ مُقْتَضَاهُ] (?)
وقال العلامة ابن الوزير -رحمه الله-: [وَكَذَلِكَ لم يكفر حَاطِب ابْن أبي بلتعة مَعَ خيانته لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَآله وَمَا نزل فِيهِ أول سُورَة الممتحنة وَقَوله تَعَالَى فِيهِ {تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة} و {تسرون إِلَيْهِم بالمودة} وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} وَمَعَ ذَلِك وَصفه بالايمان فِي أول السُّورَة حَيْثُ قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنه دَاخل فِيمَن خُوطِبَ بذلك لِأَن الْعُمُوم نَص فِي سَببه بالاجماع وَلذَلِك أدخلهُ الله مَعَ الْمُؤمنِينَ وخاطبه بأجمل الْخطاب حَيْثُ قَالَ {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} وَكَذَلِكَ ثَبت أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَآله قبل عذره وَذَلِكَ كُله يدل على مَا قَالَه الامام الْمهْدي مُحَمَّد بن المطهر عَلَيْهِ السَّلَام أَن الْمُوَالَاة الْمُحرمَة بالاجماع هِيَ أَن تحب الْكَافِر لكفره والعاصي لمعصيته لَا لسَبَب آخر من جلب نفع أَو دفع ضَرَر أَو خصْلَة خير فِيهِ وَالله أعلم] (?)
وكلامه ليس صريحا في أن ما فعله حاطب لم يكن كفراً بالأصل بل يحتمل هذا ويحتمل المعنى الآخر لاسيما أنه قال في آخر كلامه (ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل عذره)،فقد يفهم من قوله (قبل عذره) أي تأويله الذي تأوله في ارتكاب ما ارتكب فارتفع بهذا التأويل تبعة الكفر عنه، وإلا فقطعا ليس المقصود أن قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعذره هو إقراره وتسويغه لهذا العذر الذي تعلق به حاطب رضي الله عنه، فلا يفهم من ذلك أن مثل هذا العذر جائزٌ شرعاً لارتكاب مثل ما ارتكب حاطب رضي الله عنه!
وكما رأيت فإن بعض العلماء يستدل على عدم كفر حاطب رضي الله عنه بدخوله في قوله تعالى [يا أيها الذين آمنوا] إذ لو أنه كفر لما خوطب بخطاب الإيمان، وهذا صحيح، ولكن لا يؤخذ من هذا الكلام أن ما فعله حاطب ليس بكفر في الأصل؛ لأنه لا