يبعد أن يكون إدخال هؤلاء في معنى التجسس إنما هو بالنظر إلى تخفيهم عند قيامهم بهذه الأعمال، لا من حيث إن هذه الأعمال هي مجرد نقل للمعلومات وكشف لعورات المسلمين كما هو جارٍ في تعريفات الفقهاء، فغالب ما يقوم به هؤلاء المجرمون العصريون المعينون لليهود والنصارى وغيرهم هو المشاركة العملية في تفاصيل الأعمال العسكرية التي يُستهدف بها المجاهدون.
ومن هنا فإنه من الخطأ الفادح أن نقفز إلى خلاف الفقهاء الأولين في حق ما يسمى (الجاسوس المسلم) لننزله على أجهزة كاملة تعد من أعظم ركائز الدول لها نظمها وقوانينها وقادتها وجنودها وميزانياتها ونفقاتها ثم نجري ذلك الخلاف في حق هؤلاء الذين يعدون أنفسهم جزءا من منظومة استخباراتية متكاملة، ولهم مهام محددة يقومون بها ويحاسبون على التقصير فيها، ويعاقبون عند عدم أدائها، ويخوضون بأنفسهم (حرباً) بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وليس بين الواحد من هؤلاء وبين الجندي المقاتل في ساحة الميدان إلا إعلان هذا لحربه وقتاله وعداوته، وإسرار ذلك بعمالته وأعماله ومهامه ووظيفته، فالهدف متحد والمقصد متفق بين كلا الجنديين بل وجهودهما مكملة بعضها لبعض، وما اختلفت إلا الوسيلة فأعلن هذا وأسر ذاك، ومتى كان الإسرار للعداوة والإضمار للكيد والحرب شفيعاً لصاحبه ينقله من مرتبة الإجرام الى مرتبة البراءة؟!
بل دلنا القرآن الكريم على أن مضمر الكفر ومبيِّته أكبر ضرراً وأعظم خطراً من المجاهر به، ولهذا كان يوم القيامة أشد عذاباً وأفظع عقاباً كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} النساء145.
فالأمر الذي لا يكاد يشك فيه أحدٌ ولا يماري فيه ممارٍ أن البحث عن عوارت المسلمين، والتنقيب عن مكامن ضعفهم، ثم نقلها إلى عدوهم لينتفع بها في حربه لهم، هو نوعٌ من أنواع الإعانة والمظاهرة والمعاضدة التي تدخل دخولاً بيناً في الموالاة أو التولي، وهذا ثابت بدلالة اللغة والشرع، فإن من أخص معاني الموالاة: المناصرة كما قال العلامة الزبيدي: [والولي له معان كثيرة فمنها المحب وهو ضد العدو اسم من والاه إذا أحبه ... ومنها النصير من والاه إذا نصره]،وكون هذه المناصرة التي يقوم بها ويؤديها