وهو قرينة من القرائن- دليلاً على وقوعها في الزنى كما قال شيخ الإسلام: [فَجُعِلَ الْحَبَلُ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَا كَالشُّهُودِ] (?)
وقال هذا بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وفي خطبة الجمعة، ولم ينكر عليه أحدٌ فيكاد يكون إجماعاً منهم.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: [وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقِفْ الْحُكْمَ فِي حِفْظِ الْحُقُوقِ أَلْبَتَّةَ عَلَى شَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ، لَا فِي الدِّمَاءِ وَلَا فِي الْأَمْوَالِ وَلَا فِي الْفُرُوجِ وَلَا فِي الْحُدُودِ، بَلْ قَدْ حَدَّ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الزِّنَا بِالْحَبَلِ، وَفِي الْخَمْرِ بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْمَسْرُوقُ عِنْدَ السَّارِقِ كَانَ أَوْلَى بِالْحَدِّ مِنْ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَالرَّائِحَةِ فِي الْخَمْرِ، وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ظُهُورِ الْمَسْرُوقِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي الْحَبَلِ وَالرَّائِحَةِ، بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَعْرِضُ فِي الْحَبَلِ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ وَفِي الرَّائِحَةِ لَا يَعْرِضُ مِثْلُهَا فِي ظُهُورِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ الَّتِي تَجْوِيزُ غَلَطِ الشَّاهِدِ وَوَهْمُهُ وَكَذِبُهُ أَظْهَرُ مِنْهَا بِكَثِيرٍ، فَلَوْ عُطِّلَ الْحَدُّ بِهَا لَكَانَ تَعْطِيلُهُ بِالشُّبْهَةِ الَّتِي تُمْكِنُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلَى، فَهَذَا مَحْضُ الْفِقْهِ وَالِاعْتِبَارُ وَمَصَالِحُ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَلَالَةِ فِقْهِ الصَّحَابَةِ وَعَظَمَتِهِ وَمُطَابَقَتِهِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَحِكْمَةِ الرَّبِّ وَشَرْعِهِ، وَأَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِ مَنْ بَعْدَهُمْ كَالتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ الْقَائِلِينَ.] (?)
وقال أيضاً: [وَلَقَدْ حَدَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الزِّنَا بِمُجَرَّدِ الْحَبَلِ، وَفِي الْخَمْرِ بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّ دَلِيلَ الْقَيْءِ وَالرَّائِحَةِ وَالْحَبَلِ عَلَى الشُّرْبِ وَالزِّنَا أَوْلَى مِنْ الْبَيِّنَةِ قَطْعًا؛ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ إلْغَاءُ أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيقُ الصِّدِّيقِ اللُّوطِيَّ، وَإِلْقَاءُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَهُ مِنْ شَاهِقٍ عَلَى رَأْسِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ الْمَصَاحِفَ الْمُخَالِفَةَ لِلْمُصْحَفِ الَّذِي جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيقُ الصِّدِّيقِ الْفُجَاءَةَ السُّلَمِيُّ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِيَارُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ