يُقَاوِمُهَا أَوْ أَقْوَى مِنْهَا لَمْ يُلْغِهِ الشَّارِعُ، وَظُهُورُ الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا كَالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ.] (?)

وقال ابن القيم في القصة نفسها: [فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَمَرَ بِرَجْمِ الْبَرِيءِ؟ قِيلَ: لَوْ أَنْكَرَ لَمْ يَرْجُمْهُ؛ وَلَكِنْ لَمَّا أُخِذَ وَقَالَتْ: هُوَ هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، فَاتَّفَقَ مَجِيءُ الْقَوْمِ بِهِ فِي صُورَةِ الْمُرِيبِ، وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ هَذَا هُوَ، وَسُكُوتُهُ سُكُوتَ الْمُرِيبِ، وَهَذِهِ الْقَرَائِنُ أَقْوَى مِنْ قَرَائِنِ حَدِّ الْمَرْأَةِ بِلِعَانِ الرَّجُلِ وَسُكُوتِهَا، فَتَأَمَّلْهُ.] (?)

وما ذكره الإمام ابن القيم -رحمه الله- من أن الرجل المغيث لم ينكر ولم يحتج عن نفسه، الظاهر من الرواية خلافه، فإن فيها قول الرجل: [إِنَّمَا أَنَا الَّذِي أَغَثْتُكِ وَقَدْ ذَهَبَ الْآخَرُ]،وقوله أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إِنَّمَا كُنْتُ أُغِيثُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَأَدْرَكُونِي هَؤُلَاءِ فَأَخَذُونِي] فردت عليه المرأة قوله وقالت: [كَذَبَ هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيَّ] كل هذا يدل على أن الرجل كان يبرِّء نفسه، ويدفع التهمة عنه، ويخبر بأنه كان مغيثاً لا مريباً، فكيف يقال بعد هذا كله بأنه لم ينكر؟!.

فالظاهر -والله تعالى أعلم- أن اشتداده وركضه كالفارِّ، مع إخبار المرأة للجمع بأن رجلاً فعل بها ما فعل، وعدم عثورهم على أحدٍ سواه، ثم تأكيد المرأة بعد رؤيته بأنه صاحبها، كل ذلك عيّن التهمة عليه وأكدها في حقه، ولم يكن لإنكاره تأثير مقابل كل هذه الشواهد والدلائل؛ فلهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجمه.

ولهذا قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- نفسه في هذا الحديث: [فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِأَمْرِهِ بِرَجْمِ الْمُتَّهَمِ الَّذِي ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ، وَلَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، بَلْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؟

قِيلَ: هَذَا - لَعَمْرُ اللَّهِ - هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ شَافٍ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُقِرَّ، بَلْ قَالَ:" أَنَا الَّذِي أَغَثْتُهَا ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015