التجسس، فإن الضرر الحاصل للمسلمين هو بإعانة مباشرة ومشاركة حقيقية من قبل شراذم الجواسيس بل هم ركن الضرر الركين، وأساسه المتين، ومصدره بيقين، فإذا كان الشرع قد جوز رمي الترس -مع القطع بقتلهم- لأجل دفع ضرر لا يد لهم في جلبه وإيقاعه ولا حيلة لهم في كفه ودفعه، فكيف لا يجوِّز قتل مَن كان هو أساس الضرر وسببه ومنبعه مع التحري في معرفته وبذل أقصى الجهد (الممكن) للوقوف على فاعله بوسائل وطرق تعينت سبيلاً لذلك -لانعدام غيرها-كالاعتماد على القرائن الواضحة، والأمارات الجلية، والشواهد المتكاثرة، والدلائل المتوافرة؟.

المسألة الرابعة: كما أن الشرع قد جوز رمي الترس عند الخوف على المسلمين، لتعين الرمي هنا طريقاً لدفع الضرر المتوقع، ولم يأمرهم بكف أيديهم حفاظاً على الأسرى المقهورين، ولم يكلفهم تحمل ما يدهمهم من المضار جراء تغلب الكفرة عليهم، فكذلك الحال عند تعين طريق قطع شر الجواسيس وانحصارها في الاعتماد على القرائن والشواهد والعلامات، فكما أن الكف عن الرمي في مسألة التترس يؤدي إلى وقوع الضرر على المسلمين فاغتفر ما يحصل للأسرى المظلومين، فكذلك التخلي عن الاستناد على شواهد الحال وقرائنه تقود قطعاً إلى استمرار المفاسد العظيمة والمضار الجسيمة التي حلت بالإسلام والمسلمين، ففي الحالتين جاز القتل بناءً على تعين الطريق الذي يكف به الضرر العام إما دفعاً وإما رفعاً، مع أن الأمر في مسألة الجواسيس أبعد عن إصابة البريئين، لأن عقوبتهم -بالقتل أو غيره- لا تكون إلا مع التحري، والتثبت، وقوة الدلائل قدر الإمكان.

المسألة الخامسة: نعم قد يكون هناك فرقٌ مهمٌ بين الصورتين، ففي الأولى يلزم الرامي من المجاهدين -مع تيقنه بقتل إخوانه الأسرى- أن يقصد بقتله الكفار لا المسلمين، وهذا القصد القلبي وإن كان لا يغير من حقيقة الواقع المشهود شيئاً إلا أنه داخلٌ في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وجرياً على القاعدة الفقهية [أن الميسور لا يسقط بالمعسور]،أما في حالة قتل الجواسيس، فإن تعمّد قتل الواحد منهم مقصود، فاجتمع على قتله الفعل والقصد، بل إن فاعله يعده من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وما يمكن أن يجاب به عن ذلك هو أن ما يُبذَل من الجهد لمعرفة المتجسس حقيقةً واستقصاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015