ولنستحضر دائماً أننا لا نتحدث هنا عن حادثة أو حادثتين أو حتى عشر يمكن التغاضي فيها والتجاوز عنها والتسامح في علاجها، وإنما الحديث عن ظاهرة واسعة استطار شرها، واستفحل ضررها، وتأصَّل فسادها، وتأكد إلحادها، وأصابت لُب الإسلام، واستعلى بسببها الكفرة اللئام، وتمكنوا عن طريقها من إصابة المجاهدين أينما حلوا حتى ولو كانوا في غرف نومهم وبين أهليهم وأبنائهم، وفي مراكبهم وتنقلاتهم، وتتبعوهم واصطادوهم اصطياد الرامي لصيده، والبازي لفريسته فحينما نتحدث عن هذه المشكلة لا ننظر إليها باعتبارها حوادث جزئية متفرقة، أو قضايا عابرة نادرة، بل أمرها ما ذكرتُ ووصفت، فلا بد أن يكون علاجها مكافئاً لحجمها مستحضراً لخطرها، وإلا فإننا لم نفعل شيئاً.
وعليه فإن مدار الأمر في هذه النازلة المطبقة على قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (?)
رابعاً: تتقابل في هذه المسألة مفسدتان، الأولى: مفسدة عظيمة عامة واقعةٌ متحققة ومتيقَّنة، والثانية: مفسدة خاصة محدودة متوقعة ومحتَملة، فأما الأولى: فهي ما يحصل للإسلام والمسلمين كل يوم من النكاية البالغة والفتك الشديد بسبب هؤلاء الجواسيس، فالقتل دائمٌ، والدمار شامل، والتنكيل متواصل، والأسر -للرجال والنساء- مستمر، والكفر مستعلٍ، وهذه الأمور كلها مشاهدة محسوسة لا يمكن لأحدٍ أن يتجاهلها أو يتغافل عنها، فليس شيء منها مجرد افتراضات واحتمالات وتوقعات، ونحن مأمورون شرعاً وعقلاً بكف عادية هؤلاء الكفرة ورد صيالهم عنا، وقطع دابر الأسباب التي تعينهم على ارتكاب ما يرتكبون، ومن هذه الأسباب -بل هي أعظمها- جواسيسهم وعيونهم التي نشروها في كل جهة.