عليهم الحدود ويستوفي منهم الحقوق فلا يخرجون بذلك عن العصمة الثابتة كمن خرج عن طاعة الإمام من أهل البغي ولم تكن له شوكة.] (?)

وليس هذا الحكم -أعني انتفاء القدرة- خاصاً بالممتنعين من المرتدين، أو الكفار الأصليين كأهل الذمة، بل يشمل كل طائفة امتنعت بقوتها وشوكتها عن حق من الحقوق أو حكمٍ من الأحكام التي وجبت عليها شرعاً، ولهذا فإن علياً رضي الله عنه حينما نبغ الخوارج وتحيزوا ولم يشهروا السلاح ويتظاهروا به في شق عصا الطاعة لم يقاتلهم بل كان يقول لهم، فعَنْ كَثِيرِ بْنِ نَمِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الْجُمُعَةِ، وَعَلِيُّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ , إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ , ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ , ثُمَّ قَامُوا مِنْ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ , فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِيَدِهِ اجْلِسُوا: نَعَمْ , لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ , كَلِمَةٌ يُبْتَغَى بِهَا بَاطِلٌ , حُكْمُ اللهِ نَنْظُرُ فِيكُمْ , أَلَا إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي ثَلَاثَ خِصَالٍ: مَا كُنْتُمْ مَعَنَا لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللهِ , وَلَا نَمْنَعُكُمْ فَيْئًا مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا , وَلَا نُقَاتِلُكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُوا "، (?)

حتى إذا سفكوا الدم الحرام وامتنعوا بالشوكة قاتلهم هو والصحابة رضي الله عنهم حتى استأصلوهم، قال الإمام الماوردي -رحمه الله-: [وَإِذَا بَغَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَخَالَفُوا رَأْيَ الْجَمَاعَةِ وَانْفَرَدُوا بِمَذْهَبٍ ابْتَدَعُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا بِهِ عَنِ الْمَظَاهرةِ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ، وَلَا تَحَيَّزُوا بِدَارٍ اعْتَزَلُوا فِيهَا، وَكَانُوا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ تَنَالُهُمُ الْقُدْرَةُ وَتَمْتَدُّ إلَيْهِمُ الْيَدُ تُرِكُوا وَلَمْ يُحَارَبُوا، وَأُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْعَدْلِ فِيمَا يَجِبُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ، وَقَدْ عَرَضَ قَوْمٌ مِنَ الْخَوَارِجِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ- لِمُخَالَفَةِ رَأْيِهِ.

وَقَالَ أَحَدُهُمْ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِهِ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، فَإِنْ تَظَاهَرُوا بِاعْتِقَادِهِمْ وَهُمْ عَلَى اخْتِلَاطِهِمْ بِأَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْضَحَ لَهُمْ الْإِمَامُ فَسَادَ مَا اعْتَقَدُوا، وَبُطْلَانَ مَا ابْتَدَعُوا؛ لِيَرْجِعُوا عَنْهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015