الثاني: اجتماع صورتين من الامتناع في حق هؤلاء، الأولى: امتناعهم بشوكة طائفتهم التي ينتسبون إليها، إذ هي في ذاتها تمثل طائفة ممتنعة عن شرائع الإسلام، وفي الوقت نفسه هي صائلة على الأنفس والأموال، والثانية: كونهم مقيمين في دار حربٍ، ومحتمين بقوتها ومستندين إلى سلطتها وقانونها.
فمن المعلوم أن امتناع الأفراد أو الطوائف عن قدرة سلطان المسلمين تارة يكون بإشهار السلاح وشق عصا الطاعة -ولو كانوا في دار الإسلام- وتارة تكون بمجرد لحاقهم بدار الحرب؛ لأن نفس اللحاق بها والفرار إليها يعد امتناعاً، لأن الفار يلجأ إلى مكان لا تعلوه الأحكام الشرعية ولا تتناوله سلطة الإمام لعدم شمول حكم الإسلام لها، وإلا لما كانت دار حرب، وذكر هاتين الصورتين من الامتناع شائع في كلام الفقهاء، فمن ذلك قول شيخ الإسلام -رحمه الله-: [ولأن المرتد لو امتنع بأن يلحق بدار الحرب أو بأن يكون المرتدون ذوي شوكة يمتنعون بها عن حكم الإسلام فإنه يقتل قبل الاستتابة بلا تردد فكذلك إذا كان في أيدينا.
وحجة من رأى الاستتابة إما واجبة أو مستحبة قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} أمر الله ورسوله أن يخبر جميع الذين كفروا أنهم إن انتهوا غفر لهم ما سلف وهذا معنى الاستتابة والمرتد من الذين كفروا والأمر للوجوب فعلم أن استتابة المرتد واجبة ولا يقال:"فقد بلغهم عموم الدعوة إلى الإسلام" لأن هذا الكفر أخص من ذلك الكفر فإنه يوجب قتل كل من فعله ولا يجوز استبقاؤه وهو لم يستتب من هذا الكفر.] (?)
وقال وهو يحكي مذاهب العلماء فيما ينتقض به عهد أهل الذمة: [إذا لم يكن ممتنعا عن حكم الإمام فمذهب أبي حنيفة أن مثل هذا لا يكون ناقضا للعهد ولا ينقض عهد أهل الذمة عنده إلا أن يكونوا أهل شوكة ومنعة فيمتنعوا بذلك على الإمام ولا يمكنه إجراء أحكامنا عليهم أو تخلفوا بدار الحرب لأنهم إذا لم يكونوا ممتنعين أمكن الإمام أن يقيم