ليس المقصود بها هو إرشاد المشركين إلى مواطن غرة المسلمين ومواضع ضعفهم ومنافذ وهنهم التي ينتفع بها الكفرة في نفوذهم إليهم وتسلطهم عليهم.
ثالثاً: كما ذكرت أولاً فإن ظاهر كلام السائل يدل على أنه لا يخالف في كون المظاهرة -التي عبر عنها بالممالأة- للكفار على المسلمين هي مما يحل دمَ مرتكبها، وإنما أشكلت عليه صور التجسس التي ذكرها، وهل يشملها معنى الممالأة أم لا، وهذا مما يبين أن مسألةَ التكفير بمظاهرة الكفار على المسلمين كان أمراً متقرراً عندهم، ومن ثَم فلا يصلح أن يؤخذ جواب الإمام الشافعي -رحمه الله- حجة في نقض الإجماع الذي نقله غير واحد من أهل العلم في كفر المظاهر للكفار على المسلمين، لأن جوابه كان على مسألة جزئية - يُخالَف فيها أو يُوَافق- رأى عدم دخولها في مسمى الممالأة دخولاً بيناً ومن ثم كان التكفير بها محتملاً، فسؤال السائل لم يكن: هل ممالاة المشركين على المسلمين مما يحل به دم المسلم؟! فهذا أصلٌ متقرر عنده وهو معنى واضحٌ في سؤاله.
فحينما يكون جواب الإمام الشافعي -رحمه الله- متجهاً إلى هذا السؤال بعينه ومنصباً عليه فعندها يقال إن الإجماع المدعى في مسألة المظاهرة منقوضٌ بمخالفة الشافعي، أما جوابه عن سؤال السائل المذكور فهو مخالفةٌ في دخول صور التجسس التي ذكرها في معنى الممالاة دخولاً قطعياً، فهي عنده محتملة للدخول ولغيره ولذلك حَكَم بأنها ليست بكفرٍ بيّنٍ.
وبياناً للمسألة بصورة أخرى، فإن الإمام الشافعي -وكذلك سائله- لا يخالف في أن إعانة الكفار على المسلمين ومظاهرتهم وممالأتهم يباح به دم مرتكبها، وهو مناطٌ مكفرٌ لا شبهة فيه ولا دخيلة، وإنما ذهب إلى أن صور التجسس التي أشار إليها في جوابه لا يتحقق فيها هذا المناط تحققاً جلياً، فعنده قيام معنى المظاهرة والممالأة والمعاونة فيها غير قطعي ولهذا قال إنها ليست بكفرٍ بيّن، ولم يقل بأنها ليست كفراً مطلقاً.
رابعاً: أن جواب الإمام الشافعي -رحمه الله- نفسَه يدل دلالة واضحة على أن التجسس للكفار على المسلمين بأي صورة كانت ليس هو من جنس المعاصي المعروفة كالزنى، وأكل الربا، وعقوق الوالدين ونحوها؛ لأن مثل هذه الموبقات لا يقال في شيء منها -مهما