أي بالقرينة، وكذلك الجاسوسيّة فلا بدّ من القرينة لنعرف فاعلها هل هو مرتدّ أم لا؟ إن فهمت هذه حلّ إشكال مسألة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ورسالته إلى قريش، فقرائن الحال من سابقته في الإسلام، وكونه من أهل بدر، ثمّ صيغة الرّسالة تدل على أنّ الفعل بقرائنه لا يفيد حكم الردّة.] (?)
وهذا مما يؤيد أن الموالاة منها ما هو كفرٌ مخرجٌ من الملة، ومنها ما هو دون ذلك، فمن ذهب إلى هذا التقسيم، ورأى أن بعض الأفعال هي من قبيل الموالاة غير المكفرة واشترط لتكفير فاعلها الاستحلال فلا يُرمى بالإرجاء فضلاً عن أن يكون من غلاتهم، بل إن قوله جارٍ على طريقة أهل السنة والجماعة الذين لا يكفرون بالمعاصي إلا مع استحلالها. ولا يغيب عن القارئ الكريم أن كلامنا هنا منصبٌ فقط على خصوص حادثة حاطب رضي الله عنه وليس على مطلق التجسس، فقد ذكرت من قبل أن البحث عن عورات المسلمين ونقلها إلى الكفار لينتفعوا بها في حربهم على الإسلام يعد من المظاهرة والممالأة المكفرة، وما فعله حاطب رضي الله عنه ليس من هذا القبيل وإنما هو (إفشاء لسر النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهو أمرٌ عظيم أصلاً فكيف إذا كان ذلك الإفشاء للمشركين، وهو الذي جعل فعل حاطب يقترب من الكفر ويدنو من النفاق، ولهذا فإن حادثة حاطب وما جرى فيها هي مما يُستدل بها على أن مظاهرة الكفار على المسلمين هي كفر أكبر مخرجٌ من الملة، فهي مما يؤيد ذلك ولا يناقضه، ويقويه ولا يضعفه.
وذلك أن حاطباً رضي الله تعالى عنه قد فهم أن جنس هذا الفعل هو من الكفر، والارتداد عن الدين، ولهذا بادر بنفي أن يكون فعله الذي فعله هو من هذا القبيل، وكذلك فهم عمر للحادثة يؤيد أن جنس هذا الفعل هو من الكفر والارتداد، ولو كان متقرراً عنده أن نوع هذا الفعل هو كغيره من المعاصي والكبائر لما كان لقوله [لم أفعله كفراً ولا ارتداداً ... ] معنى مقبول، وذلك لأن نقل أخبار المسلمين إلى الكفار تدل في الجملة على نوع ميل وركون لهم، فمن عُثِر عليه وقد زنى، أو شرب خمراً، أو قذفا مسلماً، لا يقول إنه لم يفعل ذلك كفراً ولا ارتداداً ولا رضى بالكفر بعد الإيمان، لأن سائر المسلمين يدركون أن الوهم