تسميته منافقاً لمن أراد أن يسميه بذلك، وإن لم يكن منافقاً في نفس الأمر، لأن بعض هذه الأمور قد يفعلها الإنسان مخطئاً لا علم عنده، أو لقصد يخرج به عن كونه منافقاً، فمن أطلق عليه النفاق لم ينكر عليه، كما لم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أسيد بن حضير تسميته سعداً منافقاً، مع أنه ليس بمنافق، ومن سكت لم ينكر عليه، بخلاف المذبذب الذي ليس مع المسلمين، ولا مع المشركين، فإنه لا يكون إلا منافقاً.] (?)
وفيها أيضاً: [ومن كفر إنسانا أو فسقه، أو نفقه متأولا غضبًا لله تعالى، فيرجى العفو عنه، كما قال عمر رضي الله عنه، في شأن حاطب بن أبي بلتعة، أنه منافق; وكذا جرى من غيره من الصحابة وغيرهم، وأما من كفر شخصا، أو نفقه غضبا لنفسه، أو بغير تأويل، فهذا يخاف عليه.] (?)
والخلاصة: أن الذي أراه راجحاً أن خصوص فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لم يكن كفراً مخرجاً من الملة، ولا هو من قبيل النفاق الأكبر، وإنما هو كبيرة من الكبائر التي غفرها الله له بشهوده بدراً كما ذهب لذلك أكثر الأئمة، إلا أن مثل هذا الفعل محتمل للكفر ولغيره، فتارة يكون كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وتارة يكون كبيرة من الكبائر، والذي يحدد ذلك إما معرفة قصد الفاعل من فعله (ما حملك على ما صنعت)،وإما بما يحصل من القرائن والشواهد والأمارت والدلائل التي تصاحب الفعل أو الفاعل.
قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني -فرج الله كربه-: [والصّحيح أنّ الجاسوس المسلم دائر بين هذه الأحكام، فقد يكون فعله دالاًّ على الردّة وقد يكون معصية من المعاصي لا تخرج صاحبها من الإسلام، وههنا للتّمييز بين الجاسوسين لابدّ من تبيّن القصد، والقصد وإن كان أمراً قلبيّاً إلاّ أنّه يمكن معرفته بالقرائن، كقول الفقهاء في التّمييز بين القتل العمد وشبه العمد، أنّ الفارق بينهما هو القصد، فإذا قصد الرّجل القتل فهو عمد، وإن لم يقصد فهو شبه العمد: وطريقة معرفة القصد هي الآلة المستخدمة في القتل، فإن كانت الآلة ممّا يقتل بها عادة فهو قاصد، وإن كانت الآلة لا يقتل بها عادة، فهو غير قاصد، فقد عرف القصد بالآلة