لِدَلَالَةِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ وَكَانَ لِذَلِكَ مَا يُعَارِضُهُ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ مِثْلَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الذَّبِيحَ إسْحَاقُ لِحَدِيثِ اعْتَقَدَ ثُبُوتَهُ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى؛ لِقَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} وَلِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} كَمَا احْتَجَّتْ عَائِشَةُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى انْتِفَاءِ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّمَا يَدُلَّانِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ.] (?)

فيفهم من كلامه رحمه الله أن عمر رضي الله عنه قد قال ما قال مجتهداً متأولاً بحسب ما فهم من ظاهر فعل حاطبٍ ظاناً أنه عينُ فعل المنافقين؛ ولهذا استحل قتله واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وتمثيل شيخ الإسلام بقصة عمر مع حاطب في مغفرة خطأ المجتهد متكرر في كتبه، ومثله قصة أسيد بن حضير مع سعد بن عبادة رضي الله عنهم أجمعين.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: [وَلَمْ يُؤَاخِذْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ رَمَى حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ الْمُؤْمِنَ الْبَدْرِيَّ بِالنِّفَاقِ لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بِقَوْلِهِ لِسَعْدٍ سَيِّدِ الْخَزْرَجِ:" إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ " لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ مَنْ قَالَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِْ:" ذَلِكَ الْمُنَافِقُ نَرَى وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ " لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ] (?)

وقال الإمام البغوي -رحمه الله-: [وفِيهِ دلِيلٌ على أَن من كفّر مُسلما، أوْ نفّقه على التَّأْوِيل، وَكَانَ من أهل الِاجْتِهَاد لَا يُعَاقب، فإِن النّبِي - صلى الله عليه وسلم - لمْ يعنِّف عُمر بْن الْخطّاب على قوْله: دعْنِي أضْرِب عُنُق هَذَا المُنافِقِ بعد مَا صدّقه الرّسُول - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا ادَّعَاهُ، لِأَن عُمر لمْ يقل ذلِك على سَبِيل الْعدوان، إِذْ كَانَ ذلِك الصنيعُ من حَاطِب شَبِيها بِأَفْعَال الْمُنَافِقين، إِلَّا أَن النّبِي - صلى الله عليه وسلم - قدْ أخبر أَن الله قدْ غفر لهُ ذلِك وَعَفا عَنهُ، فَزَالَ عنِ اسْم النِّفَاق.] (?)

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الحمية الإيمانية والغيرة الدينية هي التي حملته على قول ما قال في حق حاطب رضي الله عنه كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: [قَوله:"فَقالَ عُمَر: دَعنِي يا رَسُول الله فَأَضرِب عُنُقه " إِنَّما قالَ ذَلِكَ عُمَر مَعَ تَصدِيق رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لِحاطِبٍ فِيما اعتَذَرَ بِهِ لِما كانَ عِند عُمَر مِنَ القُوَّة فِي الدِّين وبُغض مَن يُنسَب إِلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015