وبعد هذا الباب بوب البخاري بقوله: [بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:" وَمَا يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "] (?)

وهذا بينٌ في أن البخاري -رحمه الله- يرى أن عمر قد أكفر حاطباً وأنه أراد بذلك الكفر المخرج من الملة إلا أن عذر عمر أنه كان متأولاً، قال ابن بطال-رحمه الله-: [قال المهلب: معنى هذا الباب أن المتأول معذور غير مأثوم، ألا ترى أن عمر بن الخطاب قال لحاطب لما كاتب المشركين بخبر النبى إنه منافق، فعذر النبى عليه السلام عمر لما نسبه إلى النفاق، وهوأسوأ الكفر، ولم يكفر عمر بذلك من أجل ما جناه حاطب] (?)

وقال الإمام البيهقي رحمه الله: [فَسَمَّاهُ عُمَرُ مُنَافِقًا، وَلَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا فَقَدْ صَدَّقَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَصِرْ بِهِ عُمَرُ كَافِرًا لِأَنَّهُ اكْفَرَهُ بِالتَّأْوِيلِ، وَكَأَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ يُحْتَمَلُ "] (?)

وكلام العلماء -رحمهم الله- في هذا كثير وسائره يدل على أن عمر -رضي الله عنه- قد كفَّر حاطباً إما باللفظ الصريح (قد كفر)،وإما بوصفه بالنفاق (إنه منافق) ومقصوده بلا شك النفاق الأكبر.

فإما أن يقال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر عمر فيما قال وهذا يفضي إلى تكفير حاطبٍ وهو قول باطلٌ قطعاً لم يذهب إليه أحدٌ، وإما أن يوجه قول عمر توجيهاً آخر كما قال بعض العلماء من أن عمر رضي الله عنه قال ذلك متأولاً لما وقع فيه حاطب من المشابهة ببعض أفعال المنافقين كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: [فَكَانَ عُمَرُ مُتَأَوِّلًا فِي تَسْمِيَتِهِ مُنَافِقًا لِلشُّبْهَةِ الَّتِي فَعَلَهَا.] (?)

وقال وهو يعدد بعض صور الخطأ المغفور في الاجتهاد: [وَالْخَطَأُ الْمَغْفُورُ فِي الِاجْتِهَادِ هُوَ فِي نَوْعَيْ الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَنْ اعْتَقَدَ ثُبُوتَ شَيْءٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015