النِّفاق، وظَنَّ أَنَّ مَن خالَفَ ما أَمَرَهُ بِهِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - استَحَقَّ القَتل، لَكِنَّهُ لَم يَجزِم بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ استَأذَنَ فِي قَتله، وأَطلَقَ عَلَيهِ مُنافِقًا لِكَونِهِ أَبطَنَ خِلاف ما أَظهَرَ، وعُذر حاطِب ما ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَن لا ضَرَر فِيهِ.] (?)
وكلام الحافظ -رحمه الله- يمكن التسليم به إلا قوله:"وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استحق القتل"،فمثل هذا لا يليق بعمر رضي الله عنه إلا إن كان مقصده أن من خالفه في مثل هذه الأمور العظام التي تشابه أفعال المنافقين وتدل على موالاة الكافرين، كما أن استئذان عمر رضي الله عنه في قتل حاطب لا يدل على أنه لم يجزم بنفاقه ولا بكفره بل الظاهر خلاف ذلك، إذ لو كان شاكاً في الأمر أو متردداً فيه كيف يقدم على تكفيره واستحلال قتله، فالصحيح أنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه الإمام والمقدَّم وليس لأحد أن يقدِّم بين يديه ولهذا قال الحافظ نفسه فيما يستنبط من هذه القصة: [وفِيهِ تَأَدُّب عُمَر. وأَنَّهُ لا يَنبَغِي إِقامَة الحَدّ والتَّأدِيب بِحَضرَةِ الإِمام إِلاَّ بَعد استِئذانه.] (?)
وقال الإمام النووي فيما يستنبط من القصة: [وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْعَاصِي وَلَا يُعَزَّرُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفِيهِ إِشَارَةُ جُلَسَاءِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ بِمَا يَرَوْنَهُ كَمَا أَشَارَ عُمَرُ بِضَرْبِ عُنُقِ حَاطِبٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ يُعَزَّرُ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَبَعْضُهُمْ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ] (?)
وقد نقل الحافظ ابن حجر شيئاً مما ذهب إليه بعض العلماء في توجيه قول عمر لحاطب رضي الله عنهما فقال -رحمه الله-: [وفِي حَدِيث ابن عَبّاس" قالَ عُمَر فاختَرَطتُ سَيفِي وقُلت: يا رَسُول الله أَمكِنِّي مِنهُ فَإِنَّهُ قَد كَفَرَ " وقَد أَنكَرَ القاضِي أَبُو بَكر بن الباقِلاَّنِيّ هَذِهِ الرِّوايَة وقالَ لَيسَت بِمَعرُوفَةٍ قالَهُ فِي الرَّدّ عَلَى الجاحِظ لأَنَّهُ احتَجَّ بِها عَلَى تَكفِير العاصِي، ولَيسَ لإِنكارِ القاضِي مَعنًى لأَنَّها ورَدَت بِسَنَدٍ صَحِيح
وذَكَرَ البَرقانِيّ فِي مُستَخرَجه أَنَّ مُسلِمًا أَخرَجَها، ورَدَّهُ الحُمَيدِيّ، والجَمع بَينهما أَنَّ مُسلِمًا خَرَّجَ سَنَدها ولَم يَسُق لَفظها، وإِذا ثَبَتَ فَلَعَلَّهُ أَطلَقَ الكُفر وأَرادَ بِهِ كُفر النِّعمَة كَما أَطلَقَ