أجاب به حاطب رضي الله عنه من أنه فعل ما فعل حفظاً لأبنائه وليس ارتداداً عن الدين ولا رجوعاً للكفر، فتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - له منصبٌّ على شقي الجملة اثباتاً ونفياً، فالإثبات وهو إرادته حفظَ ذويه، والنفي وهو عدم إرادته للكفر والردة، لأن كلا الجزئين جملة خبرية تحتمل الصدق والكذب لذاتها فحمل تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعضها دون بعض تحكمٌ محضٌ بلا دليل، فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: لقد صدقكم حاطب في أنه أراد برسالته حفظ أهله وفي أنه لم يفعل ذلك كفراً ولا ردة. ثم بنى على هذا التصديق حكماً وهو قوله: «صَدَقَ وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا» (?)،فنهيهم عن أن يقولوا له إلا خيراً معلَّلٌ بصدقه فيما أخبر به عن نفسه، فلو كان قوله: [وما فعلته كفراً ولا ارتداداً] لا تأثير له في أصل الحكم لما كان لتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - له معنى، ولعَدَل إلى بيان ما هو أولى منه وأهم وهو تعليم حاطب بأن هذا الفعل لا يقال فيه [لم أفعله كفراً ولا ارتداداً] إذ من فعله بهذا الدافع وغيره في حكم الشرع سواء، ومعلومٌ أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه - صلى الله عليه وسلم -،فلما لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، مع تصديقه لحاطب فيما تعلل به لنفسه واحتج به لفعله علمنا أن فعله ليس صريحاً ولا قطعياً في الكفر وإن كان محتملاً له، وباستبيان النبي - صلى الله عليه وسلم - واستفصاله وبإقراره لصحة جواب حاطب وتصديقه له علمنا أن فعله رضي الله عنه لم يكن من قبيل المكفِّرات والله تعالى أعلم.
خامساً: احتج البعض على أن فعل حاطب رضي الله تعالى عنه يعد كفراً بالعبارات المتعددة التي جاءت على لسان عمر رضي الله عنه كقوله: [يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ] (?)،
وقوله: [إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ] (?)،وفي رواية: [يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْكِنِّي مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ، فَأَضْرِبْ عُنُقَهُ] (?)،
وفي رواية: [يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْكِنِّي مِنْ حَاطِبٍ، فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ، لِأَضْرِبَ عُنُقَهُ]. (?)