إلا أن أخذ الحكم من كلام أولئك العلماء لا يتوقف عند هذ الحد، ولا يُحصَّل من هذه المقدمة فحسب، بل لا بد من النظر فيما ذكروا من الضوابط وبينوه من الحدود وراعوه من الأحوال والهيئات المؤثرة، حتى يوضع الحكم في محله الصحيح، ولا يقوَّل أولئك الأئمة ما لم يقولوا، أو ينسب إليهم ما لم يعتقدوا ويتبنوا، والله المستعان. (?)
وما يظهر لي - والله تعالى أعلم - فيما يتعلق بحالة الاضطرار أو خوف الضرر، الذي عُلق به الحكم - وهو جواز رمي الترس - يمكن أن يقسم إلى قسمين:
الأول منهما: هو ما كنا نتحدث عنه وهو الضرر العام الشامل الكلي المتعلق بعموم تسلط الكفار على ديار المسلمين، وهذا يرتبط بأصل قيام الجهاد ضدهم، وهو من أهم أسباب تعينه في هذا الزمان، وهو نتيجة متحتمة ولازمة لغلبة الكافرين على بلدان المسلمين، والذي يعبر عنه بعض الفقهاء بإفساد الدين والدنيا.
ويعضد هذا الأمرَ العام؛ وجوبُ استمرار الجهاد وعدم قبول أي بديل عنه، لأنه أمر شرعي مفروض أولاً، ولأن ما سواه من المسالك والطرق؛ إنما هي إطالة لعمر الفساد، ومنح الفرصة للكفرة في التمكين لأنفسهم ونشر سمومهم وقلب حياة المسلمين وصوغها حسب إراداتهم وميولهم الشهوانية.