فمن الذي يقوم على كل ذلك؟ ومن الذي يمد هذه المنابع الفاسدة والمصادر الضالة ويغذيها ويقويها؟ ومن الذي يكمم أفواه المصلحين ويلاحق الصالحين ويزج بهم في غياهب السجون وينعتهم بأقبح وأوقح النعوت لينفر الناس عنهم ويحول بينهم وبينهم؟ ومن الذي يطارد ويشرد من أراد تغيير المنكر بيده وينكل به أشد التنكيل؟ ومن الذي ملأ قلوب الناس خوفاً ورعباً من محاولة دعم القائمين بالحق، المجاهدين في سبيل الله؟

فهذا وغيره كثير؛ يدلنا دلالة قطعية أن المفاسد والمضار التي ألمح إليها الفقهاء في مسألة التترس وجوَّزوا لأجلها رمي الترس - وإن أدى إلى قتل من يقتل من المسلمين - كلها قائمة وموجودة، شائعة ذائعة، تزداد يوماً بعد يوم، وتتنوع صورها حينا بعد حين، فلا تكاد تخبو نارُ رزية إلا وتأججت غيرها، والأعداء يذكونها بمكرهم، ويورونها بكيدهم، ويدعمونها بقوتهم، ويحفظونها بعملائهم.

فالفقهاء جوَّزوا ذلك "خوف الضرر"؛أي تفادياً لوقوعه، ودفعا له قبل حصوله، وأما اليوم فإن ذلك الضرر؛ واقع، قائم، موجود، مشهود، فالأمر انتقل من الدفع إلى الرفع، ومن خوف وقوع الضرر إلى السعي إلى إزالته والاجتهاد في استئصاله.

فالعلة التي اتفق الفقهاء على جواز رمي الترس فيها؛ موجودة بلا شك، بل هي اليوم آكد وأقوى وأظهر، فهذا أمر لا بد أن يكون في الاعتبار ومعترف به بين سائر العاملين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015