وحُجَّتهم مِنها أَنَّهُ تَعالَى أَنكَرَ إِطلاق أَسرَى كُفّار بَدرٍ عَلَى مال فَدَلَّ عَلَى عَدَم جَواز ذَلِكَ بَعد، واحتَجُّوا بِقَولِهِ تَعالَى: {فاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وجَدتُمُوهُم" قالَ فَلا يُستَثنَى مِن ذَلِكَ إِلاَّ مَن يَجُوز أَخذ الجِزيَة مِنهُ.

وقالَ الضَّحّاك: بَل قَوله تَعالَى: {فَإِمّا مَنًّا بَعدُ وإِمّا فَداءَ " ناسِخ لِقَولِهِ تَعالَى: {فاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وجَدتُمُوهُم.

وقالَ أَبُو عُبَيد: لا نَسخ فِي شَيء مِن هَذِهِ الآيات بَل هِيَ مُحكَمَة، وذَلِكَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - عَمَل بِما دَلَّت عَلَيهِ كُلّها فِي جَمِيع أَحكامه: فَقَتَلَ بَعض الكُفّار يَوم بَدر، وفَدَى بَعضًا، ومَنَّ عَلَى بَعض. وكَذا قَتَلَ بَنِي قُرَيظَة، ومَنَّ عَلَى بَنِي المُصطَلِق، وقَتَلَ ابن خَطَل وغَيره بِمَكَّة ومَنَّ عَلَى سائِرهم. وسَبَى هَوازِن ومَنَّ عَلَيهِم. ومَنَّ عَلَى ثُمامَة بن أَثال.

فَدَلَّ كُلّ ذَلِكَ عَلَى تَرجِيح قَول الجُمهُور إِنَّ ذَلِكَ راجِع إِلَى رَأي الإِمام. ومُحَصِّل أَحوالهم تَخيِير الإِمام بَعد الأَسر بَين ضَرب الجِزيَة لِمَن شُرِعَ أَخذها مِنهُ أَو القَتل أَو الاستِرقاق أَو المَنّ بِلا عِوض أَو بِعِوض، هَذا فِي الرِّجال، وأَمّا النِّساء والصِّبيان فَيُرَقَّونَ بِنَفسِ الأَسر، ويَجُوز المُفاداة بِالأَسِيرَةِ الكافِرَة بِأَسِيرِ مُسلِم أَو مُسلَمَة عِند الكُفّار، ولَو أَسلَمَ الأَسِير زالَ القَتل اتِّفاقًا، وهَل يَصِير رَقِيقًا أَو تَبقَى بَقِيَّة الخِصال؟ قَولانِ لِلعُلَماءِ." (?)

وقال السيوطي:" [الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ]

ِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَقَالَ " مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ مِنْ الرَّعِيَّةِ مَنْزِلَة الْوَلِيِّ مِنْ الْيَتِيمِ ".قُلْت: وَأَصْلُ ذَلِكَ: مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ. قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إنْ احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ فَإِذَا أَيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ فَإِنْ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015