وقال الحافظ في الفتح:" والمَقصُود مِنها هُنا قَوله فِيهِ " إِن تَقتُل تَقتُل ذا دَم، وإِن تُنعِم تُنعِم عَلَى شاكِر، وإِن كُنت تُرِيد المال فَسَل مِنهُ ما شِئت " فَإِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ ولَم يُنكِر عَلَيهِ التَّقسِيم ثُمَّ مَنَّ عَلَيهِ بَعد ذَلِكَ، فَكانَ فِي ذَلِكَ تَقوِيَة لِقَولِ الجُمهُور: أَنَّ الأَمر فِي أَسرَى الكَفَرَة مِنَ الرِّجال إِلَى الإِمام يَفعَل ما هُو الأَحَظُّ لِلإِسلامِ والمُسلِمِينَ.

وقالَ الزُّهرِيّ ومُجاهِد وطائِفَة: لا يَجُوز أَخذ الفِداء مِن أَسارَى الكُفّار أَصلاً وعَن الحَسَن وعَطاء: لا تُقتَل الأَسارَى، بَل يُتَخَيَّر بَين المَنّ والفِداء.

وعَن مالِك: لا يَجُوز المَنّ بِغَيرِ فِداء.

وعَن الحَنَفِيَّة: لا يَجُوز المَنّ أَصلاً لا بِفِداءٍ ولا بِغَيرِهِ، فَيُرَدّ الأَسِير حَربِيًّا. قالَ الطَّحاوِيُّ: وظاهِر الآيَة حُجَّة لِلجُمهُورِ وكَذا حَدِيث أَبِي هُرَيرَة فِي قِصَّة ثُمامَة، لَكِن فِي قِصَّة ثُمامَة ذِكر القَتل.

وقالَ أَبُو بَكر الرّازِّي: احتَجَّ أَصحابنا لِكَراهَةِ فِداء المُشرِكِينَ بِالمالِ بِقَولِهِ تَعالَى: {لَولا كِتاب مِنَ الله سَبَقَ} الآيَة، ولا حُجَّة لَهُم لأَنَّ ذَلِكَ كانَ قَبل حِلّ الغَنِيمَة، فَإِن فَعَلَهُ بَعد إِباحَة الغَنِيمَة فَلا كَراهَة انتَهَى.

وهَذا هُو الصَّواب، فَقَد حَكَى ابن القَيِّم فِي الهَدي اختِلافًا: أَيّ الأَمرَينِ أَرجَح؟ ما أَشارَ بِهِ أَبُو بَكر مِن أَخذ الفِداء، أَو ما أَشارَ بِهِ عُمَر مِنَ القَتل؟ فَرَجَّحَت طائِفَة رَأي عُمَر لِظاهِرِ الآيَة ولِما فِي القِصَّة مِن حَدِيث عُمَر مِن قَول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " أَبكِي لِما عُرِضَ عَلَى أَصحابك مِنَ العَذاب لأَخذِهِم الفِداء " ورَجَّحَت طائِفَة رَأي أَبِي بَكر لأَنَّهُ الَّذِي استَقَرَّ عَلَيهِ الحال حِينَئِذٍ، ولِمُوافَقَةِ رَأيه الكِتاب الَّذِي سَبَقَ، ولِمُوافَقَةِ حَدِيث " سَبَقَت رَحمَتِي غَضَبِي " ولِحُصُولِ الخَير العَظِيم بَعدُ مِن دُخُول كَثِير مِنهُم فِي الإِسلام والصُّحبَة ومَن وُلِدَ لَهُم مَن كانَ ومِن تَجَدُّد، إِلَى غَير ذَلِكَ مِمّا يُعرَف بِالتَّأَمُّلِ. وحَمَلُوا التَّهدِيد بِالعَذابِ عَلَى مَن اختارَ الفِداء، فَيَحصُل عَرَض الدُّنيا مُجَرَّدًا وعَفا الله عَنهُم ذَلِكَ."

وأَشارَ المُصَنِّف بِهَذِهِ الآيَة إِلَى قَول مُجاهِد وغَيره مِمَّن مَنَعَ أَخذ الفِداء مِن أَسارَى الكُفّار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015