بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس
(الخطيب وصفاته)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فكما تنطلق الشحنة الكهربائية عبر الأسلاك فيضيء المصباح، وكما تتسلل خيوط الفجر في غسق الليل فيسرق الصباح يمضي الخطيب إلى النفوس فيخرجها من الظلمات إلى النور، وإذا كان العاملون في كل موقع يسهمون بجهودهم في إحداث التغيير النفسي والاجتماعي لدى الأفراد، فإن الخطيب يأخذ حظه الوافي من هذا التغيير بما يملك من سلاح أمضى، وقدر أشمل.
إن المهندس والطيار أو البحار يتعاملون مع الجماد، وإذًا فما أيسر المهمة بيد أن الخطيب يتعامل مع كائن حي له مشاعره، وله كذلك فكره، بل إنه لا يواجه من البشر نوعًا واحدًا، بل يواجه مستويات متعددة متفاوتة، وهو مع هذا مطالب بأن يجمعها كلها على الصراط السوي، وأن يحوز رضاهم جميعًا، وحتى رفيقيه على طريق التوجيه المعلم والأديب كلاهما لا يمارس نفس المعاناة، فبينما المعلم يتجه أساسًا للعقل؛ تزويدًا له بالمعرفة، وبينما يخاطب كاتب المقال مستوٍ واحد إلى حد ما فإن الخطيب يتفرد بمسئولية امتلاك أقطار النفس كلها إقناعها، واستمالة تفضي للالتزام وفي الوقت ذاته تتسع قاعدته العريضة وتتسع؛ لتستوعب حتى الأميين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، فهو يتعاون معهم بينما لا يمثل بين يدي المعلم والأديب إلا المثقف القادر على الفهم والحوار.
ومع أن الخطيب كالمربي فلا بد أن تتوفر فيه متطلبات عديدة، وهي أكثر وأشد مما هي في المربي؛ لأن هذا الأخير محدود التأثير في عدد قليل، وإذا كان ذا مسئولية عظمى بخلاف الإمام الخطيب، فإنه غير محدود التأثير في مثل ذلك العدد بل العدد أنمى وأكثر، ثم إنه غير منقطع الصلة، فإن التلميذ في القسم يمر بأساتذة