منها، وقد كان يستحسن ذلك الجاحظ، وابن المقفع، فقد جاء في (البيان والتبيين) نقلًا عن المقفع وتعليقًا عليه: "وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته، فكأنه يقول فرق بين صدر خطبة النكاح، وبين صدر خطبة العيد، وخطبة الصلح، وخطبة المواهب، حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه، فإنه لا خير في كلام لا يدل على معناه، ولا يشير إلى مغزاه، وإلى العمود الذي بسطت إليه والغرض الذي نزعت إليه".

ومن أبلغ الافتتاحات التي تشير إلى موضوع الخطبة افتتاح الإمام علي -رضي الله عنه- في خطبته بعد اختلاف الحكمين، واستنصار معاوية بقول حكم عمرو بن العاص، فقد قال علي -رضي الله عنه-: "الحمد الله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه إله غيره، وأن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله- أما بعد؛ فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب، تورث الحيرة، وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونقلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر، فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه، وضن الزند بقدحه، فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى ... فلم تستبين النصح إلا ضحى الغدِ

ومن الخطباء من يبتدئ خطبته بحكمة أو مثل سائر أو ببعض أقوال المتقدمين أو بآية كريمة أو حديث شريف يناسب المقام، فيكون حجة في الاستدلال كخطيب يبتدئ خطبته في تعاون الجماعة في إصلاح حالها، وتقويم الفاسد من أمرها، فيبدأ بقول الله -تبارك وتعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015