بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الرابع
(محتويات الخطبة)
إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد:
فإذا أراد الخطيب أن يجعل لخطبته افتتاحًا وجب أن يعنى به تمام العناية، وأن يجمله بكل وسائل التجميل المناسبة التي تجتذب الأفكار إليه، وتهيئ الأسماع له وتجعل النفوس تتقبله بقبول حسن، فإن الفكرة الأولى عن شيء أو عن أمر أو عن شخص تثبت وتقر بالنفس، ومحوها يحتاج إلى عناء شديد، فإن كانت حسنة صعب تهجينها، وإن كانت سيئة صعب تزيينها، والافتتاح هو أول ما يلقى الخطيب به الجماعة، فإن وقع من نفوسهم القبول كانت الخطبة غالبًا على غراره، واستطاع أن يصل إلى قلوبهم، وإن لم يصادف قبولًا صعبت الحال واحتاج الأمر إلى خبير بأحوال النفوس حاذق في طرق العلاج، ووسائل الشفاء من ذلك النفار وهذا الشماس.
قال ابن الأثير في كتاب (المثل السائر): "وإنما خصت الابتداءات بالاختيار؛ لأنها أول ما يطرق السامع من الكلام، فإذا كان ذلك الابتداء لائقًا بالمعنى الوارد بعده، توافرت الدعاوي على استماعه، ويكفيك من هذا الباب الابتداءات الواردة في القرآن الكريم كالتحميدات المفتتح بها أوائل السور، وكذلك الابتداءات بالنداء كقوله تعالى في أول سورة "الحج": {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (الحج: 1).
فإن هذا الابتداء مما يوقظ السامعين للإصغاء إليه، وللخطباء مذاهب شتى في افتتاحهم، ولا نستطيع حصر طرقها؛ لأن أفضل مناهجها مرجعه إلى حسن تصرف الخطيب وجودة تقديره، ولكننا نذكر بعضها على سبيل المثال لا على طريق الحصر، فمن الخطباء من يفتتح خطبته بما يشير إلى موضوعها، ويلوح بالقصد