ونصائحهم، وكان عماد الخطبة أو العظة في عصرهم: إما القرآن، وإما السنة، وإما كلام مستمد منهما يدور في فلكهما ولا يتجاوز محيطهما.

وعندما نتأمل الخطب المروية لنا عن الخلفاء الراشدين نراها محكومة بتلك المعاني التي أشرنا إليها، وهي خطب فتحت لنفسها طريق الخلود والبقاء، فما زالت قائمة يرجع إليها الدعاة حينا بعد حين؛ ليقتبسوا منها ويأتنسوا بهديها ويأخذوا منها القدوة، بل ويتعلموا منها فنون الكلام.

وعلى الخطيب أن يحاول جهده في أن تكون خطبته محكومة بهذا الإطار السابق، ولا مانع من الاستئناس ببعض القصص القصيرة والصحيحة، خاصة للعامة التي تحب هذا النوع من القول وتطير وراء أصحابه، وليكن ذلك بحذر وبقدر. وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة متسع كبير في هذا المجال، والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (يوسف: 111).

أما القرآن الكريم هو أول مصدر يجب على الخطيب أن يستمد منه مادته، فهو كتاب الله عز وجل، ختم الله به الكتب، وأنزله على نبي ختم به الأنبياء، بدين عام خالد ختم به الأديان، فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون السماء لهداية الأرض، أنهى إليه منزله كل تشريع، وأودعه كل نهضة، وناط به كل سعادة، وهو حجة الرسول وآياته الكبرى، يقوم في فم الدنيا شاهدًا برسالته ناطقًا بنبوته، دليلًا على صدقة وأمانته، وهو ملاذ الدين الأعلى، يستند الإسلام إليه الدين في عقائده وعباداته وحكمه وأحكامه، وآدابه وأخلاقه، وقصصه ومواعظه، وعلومه ومعارفه، وهو عماد لغة العرب الأسمى، تدين له اللغة في بقائها وسلامتها، وتستمد علومها منه على تنوعها وكثرتها، وتفوق سائر اللغات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015