وجاءت السُّنة لتُؤَكّد حُسْنَ الأُسلوب بصورة أشمل، وبتعبيرٍ أعَمّ يَشْمَلُ كل مخلوق، ويعم كل معاملة. قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، وما نُزِع من شيءٍ إلّا شانه)) فتنكير كلمة "شيء" تفيد العموم في كل قضية، ومع كل مخلوق، إنسانًا كان أو حيوانًا. وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((الكلمة الطيبة صدقة)) وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((تبسمك في وجه أخيك صدقة)).
ومن عظم ما يسطر ها هنا من خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أشد الناس عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين، مما يُبرز سماحة هذا الدين وقصده الإصلاح: عن عائشة -رضي الله عنها-: ((أنّ يهود أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال -صلى الله عليه وسلم: مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحشَ، قالت -رضي الله عنها-: أَوَلَمْ تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما قلتُ؟! رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فيَّ)).
وحَذّرَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- من تَنْفِير الناس من الدعوة؛ بالتصرفات السيئة والأسلوب الفَظّ، والكَلِمات القاسية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن منكم منفرين)) وصدق والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن المشهور أن هذا القول إنما قاله -صلى الله عليه وسلم- لمن أطال الصلاة، أطال إمام الصلاة بالمصلين، فشكوه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن منكم منفرين)).
فإذا كان هذا قوله -صلى الله عليه وسلم- لمن أطال الصلاة، فما عساه أن يقول لمن يُطيل الخطاب ويسيء الأسلوب، وقد جاء أكثر من وفد من كفار قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يتغير أسلوب خطابه، تأثرًا بما كان منهم من قبل من التعذيب والفجور والصد عن سبيل الله.