الوقت نفسه قد تأسَّى بصاحب الخلق العظيم -صلى الله عليه وسلم- في إقباله بوجه وحديثه على كل مَن يجتمع بهم، ويتحدث إليهم، حتى إن الرجل كان يظن نفسه في المجلس أنه خير القوم.
ولذلك قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه: ((إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُقبل بوجهه وحديثه على شرّ القَوم يتألفه بذلك)). وهذا أدب كريم في الدعاة، عليهم أن يتنبهوا له، ويقوموا على تنفيذه؛ لجذب الناس وتأليفهم وشدهم إلى الإسلام.
ومن أدب الداعية في حديثه: مُلاطفة الجُلساء في المجلس، وإدخال السرور عليهم؛ حَتّى لا يشعروا بالسأم، ولا يُداخلهم المَلل، ولا ينتابهم الفتور، وكم يُسَرّ الجُلساء حين يروا داعيتهم إلى الخير لا تفارق الابتسامة ثغه، ولا تجافي الملاطفة حديثه، وكم يتشوقون للحضور والاستماع حين يرونه يمزج الحديث بالطرائف، ويطعم المواعظ بالملائح.
روى الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه (الأذكياء) عن محمد بن معين الغفاري، قال: أتت امرأةٌ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّ زوجي يصومُ النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه هو يعمل بطاعة الله، فقال لها عمر: "نِعم الزوج زوجك". فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب، فقال له كعب الأسدي: يا أمير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها على الفراش؛ فقال عمر: "كما فهمتَ كلامها، فاقضِ بينهما". فقال كعب: عليّ بزوجها، فأُتي به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك قال: أفي طعام أو شراب؟ قال: لا، فأنشدت المرأة هذه الأبيات:
يا أيها القاضي الحكيم رشده ... ألهَى خليلي عن فراشي مسجده
نهاره وليله ما يرقده ... ولست في أمر النساء أحمده
زهدني في مضجعه تعبده ... فاقض القضايا كعب لا تردده