يسلم إلا من اتقاه ورجاه، وعمل له وأرضاه.

فاتقوا الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى بما يزول ويفنى، وترحلوا عن الدنيا، فقد جُدّ بكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا كقوم صيح فيهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا فانٍ، فإن الله -عز وجل- لم يخلقكم عبثًا، ولم يَتْرُككم سُدى، وما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلّا المَوْت أنْ يَنْزِلَ به؛ وإنّ غَاية تنقصها اللحظة، وتهدمها الساعة الواحدة، بقصر المدة.

وإن غائبًا يحدوه الجديدان الليل والنهار؛ لجَديرٌ بسرعة الأوبة، وإن قادمًا يحل بالفوز أو بالشقوة لمستحق لأفضل العدة. فاتقى عبد ربه، ونصح نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته؛ فإنّ أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزين له المعصية ليركبها، ويمنيه التوبة ليسوقها؛ حتى تهجم عليه منيته، أغفل ما يكون عنها. فيا لها حسرة على كل ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجة، أو تؤديه منيته إلى شقوة.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غفلة، ولا يحصل به بعد الموت فزعة، إنه سميع الدعاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير".

ومن خُطبة للمأمون في عيد الأضحى قال بعد افتتح خطبته بالتكبير: "إن يومكم هذا يوم أبان الله فضله، وأوجب تشريفه، وعظم حرمته، ووفق له من خلقه صفوته، وابتلى فيه خليله. وفدى فيه بالذبح العظيم نبيه، وجعله خاتم الأيام المعلومات من العشر، ومقدم الأيام المعدودات من النفر، يوم حرام، من أيام عظام، في شهر حرام، يوم الحج الأكبر، يوم دعا الله فيه إلى مشهده، ونزل القرآن العظيم بتعظيمه، قال الله -عز وجل-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: 27).

فتقربوا إلى الله في هذا اليوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015