تَطْمَئِنّون! والله -تبارك وتعالى-: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (هود: 15، 16).
فبئست الدَّار لمن لم يتَهمْها، ولم يكن فيها على وَجَل منها. اعلموا، وأنتم تعلمون، أنكم تاركوها لا بُدَّ، فإنما هي كما نَعَتَ الله -عزِّ وجلَّ-: {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} (الحديد: 20) فاتَّعِظُوا فيها بالذين يبنون بكل رِيعٍ آيةً، وبالذين قالوا: مَنْ أشَدُّ مِنا قوة. واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حُمِلُوا إلى قُبورهم، فلا يُدْعون رُكْبانًا، وانْزلوا الأجداث فلا يُدْعون ضِيفانًا، وجُعِل لهم من الضريح أكنان، ومن التراب أكفان، ومن الرًّفات جِيران، فهم جيرة لا يُجيبون داعِيًا، ولا يمنعون ضَيمًا. يُزارون ولا يستزارون، حُلماء قد ذَهَبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادُهم، لا يُخْشى فَجْعهم، ولا يُرْجي دَفْعهم، وهم! كمن لم يكن. كما قال الله تعالى: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 58).
استبدلوا بظَهْر الأرْض بَطْنًا، وبالسَّعة ضيقًا، وبالآل غُرْبة، وبالنُّور ظُلْمة، فجاءوها حُفاةً عُراةً فرَادى، وظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، إلى خُلُود الأبد. يقول الله -تبارك وتعالى-: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 104). فاحذروا ما حَذّرَكم الله، وانتفعوا بمواعظه، واعتصموا بِحَبْلِهِ، عَصَمنا الله وإياكم بطاعته، ورَزَقنا وإياكم أداء حقه".
ومن خُطبة للمأمون في يوم الجمعة أنه قال: "الحمد لله مستخلص الحمد لنفسه، ومستوجبه على خلقه أحمده وأستعينه، أومن به وأتوكل عليه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله ربه بالهُدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وحده، والعمل لما عنده، والتنجز لوعده، والخوف لوعيده؛ فإنه لا