خامسًا: الرحمة:
وهي من الصفات الضرورية للداعية؛ وبها يُقبل الناس عليه، وبغلظته وفظاظته ينصرفون عنه، ولذلك كان رسل الله أرحم خلق الله بخلق الله، ولقد قال الله تعالى عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم} (التوبة: 128) وامتن عليه بهذه الرحمة التي فطره عليها فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159).
فالداعية لا بُدّ أنْ يَكونَ ذا قلبٍ يَنْبِضُ بِالرّحمة والشفقة على الناس، وإرادة الخير لهم والنصح لهم، ومن شفقته عليهم دعوتهم إلى الإسلام، لأن في هذه الدعوة نجاتهم من النار، وفوزهم بالجنة.
إنّ الداعيةَ يُحِبّ للناس ما يحب لنفسه، وأعظم ما يحب لنفسه الإيمان والهدى؛ فهو يحبُ ذلك للناس أيضًا. إن الوالد من شفقته على أولاده يحرص على إبعادهم عن الهلكة، ويُتْعب نفسه في سبيل ذلك، وأي هَلكة أعظم من الضلال والتمرد على الله، والدّاعي بدعوته إنما يسعى لتخليص المُتمردين العُصاة من الهلاك المحقق والخسران المبين.
ومنْ أهَمّ الصفات النفسية للداعية: قوة الملاحظة؛ ليدرك أحوال السامعين عند إلقاء خطبته؛ أهم مقبلون عليه؟ فيسترسل في قوله، أم هم مُعرضون عنه فيَتّجه إلى ناحية أخرى، وحُضور البديهة لتُسعفه بالعلاج المطلوب، إنْ وَجَد مِنَ القَوْمِ إعراضًا، والدواء الشافي إن وجد منهم اعتراضًا، وقد يُلقي الخطيبُ خُطبته فيعقب بعض السامعين معترضًا أو طالبًا الإجابة عن