والتدريب عليها، والتمرين على الإلقاء وتعويد اللسان النطق الصحيح والبيان الفصيح، لذلك أخذ العلماء يستنبطون قواعد الخطابة وقوانينها، بملاحظة الخطباء وطرق تأثيرهم وأسباب فشل من يفشل منهم، ويظهر أن أول من اتجه إلى استنباط تلك القواعد السوفسطائيون؛ فإنهم كانوا يعلمون الشبان في "أثينا" طرق التغلب على خصومهم في ميدان السبق الكلامي، وكيف يغالطونهم وكيف يلبسون عليهم الحقائق، ويمرنونهم على القول المبين والإلقاء المحكم، وطبعي أن يتجه من نصبوا أنفسهم لذلك إلى استنباط قواعد وقوانين، مَن أخذ بها أَمِنَ العثار وسبق في الخصال.

وقد جاء من بعد هؤلاء السوفسطائيين أرسطو، فجمع قواعد علم الخطابة وضم شوارده في كتاب أسماه (الخطابة)، كان أصلًا لذلك العلم ومرجعًا يرجع الخطباء والمؤلفون في الخطابة إليه، وصدرًا يصدرون عنه ويردون موارده.

وقد جاء بعد أرسطو عصر نشطت فيه الخطابة عند الرومان نشاطها عند اليونان. يقول مسيو "شارل": "كان الخطباء يأتون إلى ساحات الاجتماع، حيث تلتئم مجالس الأمة في أواخر عهد الجمهورية، يخطبون ويكثرون من الحركات وسط دوي القوم".

وإذا تركنا الحديث عن اليونان والرومان وتوجهنا شطر العرب؛ وجدنا أن الخطابة في صدر الإسلام وصلت إلى الذروة وبلغت كمال أوجها، وجاء العصر الأموي فوجدت الخطابة لها غذاء من الفتن والثورات التي أظلت ذلك العصر، وقد أخذ الفتيان والكهول يتبارون في الخطابة ويتسابقون في ميدانها، وكان مكان ذلك الوفادة ومجالس الخلفاء والأمراء والولاة. وقد نشأ من هذا أن وجد أناس يعلمون الشبان الخطابة ويمرنونهم عليها. وقد ظهر ذلك واضحًا كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015