وكان إنما هو مقدر في النفس غير مستكره عليه اللفظ فإنه لا يقبح, ألا ترى أن هنا أشياء مقدرة لو ظهرت إلى اللفظ قبحت, ولأنها غير خارجة إليه1 ما حسنت. من ذلك قولهم: اختصم زيد وعمرو, ألا ترى أن العامل في المعطوف غير العامل في المعطوف عليه, فلا بُدَّ إذًا من تقديره على: اختصم زيد واختصم عمرو, وأنت لو قلت ذلك لم يجز؛ لأن اختصم ونحوه من الأفعال -مثل اقتتل واستب واصطرع- لا يكون فاعله أقلّ من اثنين, وكذلك قولهم: رُبَّ2 رجل وأخيه, ولو قلت: ورب أخيه لم يجز, وإن كانت رُبَّ مرادة هناك ومقدرة.
فقد علمت بهذا وغيره أن ما تقدّره3 وهمًا ليس كما تلفظ3 به لفظًا. فلهذا يسقط عندنا إلزام سيبويه هذه الزيادة.
والفصل بين المضاف والمضاف إليه كثير, وفيما أوردناه منه كافٍ بإذن الله. وقد جاء الطائي الكبير بالتقديم والتأخير فقال:
وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي ... من الشعر إلّا في مديحك أطوع4
وتقديره: وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي أطوع من الشعر إلّا في مديحك, أي: فإنه يطيعني في مدحك ويسارع إلي. وهذا كقوله أيضًا معنًى لا لفظًا:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل5
وكقول الآخر:
ولقد أردت نظامها فتواردت ... فيها القوافي جحفلًا عن حجفل