الخصائص (صفحة 422)

في القياس, فإن ذلك مجازه وجهان: أحدهما أن يكون من نطق به لم يُحْكِم قياسه على لغة آبائهم, وإما أن تكون أنت قصَّرت عن استدراك وجة صحته. ولا أدفع أيضًا مع هذا أن يسمع الفصيح لغة غيره مما ليس فصيحًا, وقد طالت عليه وكثر لها استماعه فسرت في كلامه1، ثم تسمعها أنت منه وقد قويت عندك في كل شيء من كلامه غيرها فصاحته, فيستهويك ذلك إلى أن تقبلها2 منه, على فساد أصلها2 الذي وصل إليه منه. وهذا موضع متعب مؤذٍ يشوب النفس، ويشري3 اللبس؛ إلّا أن هذا كأنه متعذر ولا يكاد يقع مثله. وذلك أن الأعرابي الفصيح إذا عدل به عن لغته الفصيحة إلى أخرى سقيمة عافها4 ولم يبهأ بها. سألت مرة الشجري أبا عبد الله ومعه ابن عمٍّ له دونه في فصاحته, وكان اسمع غصنا فقلت لهما: كيف تحقّران "حمراء"؟ فقالا: حميراء. قلت: فسوداء, قالا: سويداء. وواليت من ذلك أحرفًا وهما يجيئان بالصواب, ثم دسست في ذلك "عِلْبَاء" فقال غصن: "عليباء", وتبعه الشجري. فلما همَّ بفتح الباء تراجع كالمذعور ثم قال: آه! عليبيّ ورام الضمة5 في الياء. فكانت تلك عادة له إلّا أنهم أشد استنكارًا لزيغ الإعراب منهم6 لخلاف اللغة؛ لأن بعضهم قد ينطق بحضرته بكثير من اللغات فلا ينكرها7.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015