الخصائص (صفحة 423)

إلا أن أهل الجفاء وقوة الفصاحة يتناكرون خلاف اللغة تناكرهم زيع الإعراب, ألا ترى أن أبا1 مهديّة سمع2 رجلًا من العجم يقول لصاحبه: زوذ, فسأل أبو مهديّة عنها فقيل له: يقول له: اعجَلْ, فقال أبو مهديّة: فهلَّا قال له: حيهلك. فقيل له: ما كان الله ليجمع لهم إلى العجمية العربية. وحدَّثني المتنبي أنه حضرته جماعة من العرب منصرفَهُ من مصر, وأحدهم يصف بلدة واسعة فقال في كلامه: تحير فيها العيون3، قال: وآخر من الجماعة يحي4 إليه سرًّا ويقول له: تحار تحار, والحكايات في هذا المعنى كثيرة منبسطة.

ومن بعد فأقوى القياسين أن يقبل ممن شُهِرَت فصاحته ما يورده5, ويحمل أمره على ما عرف من حاله لا على ما عسى أن يكون من غيره. وذلك كقبول القاضي شهادة من ظهرت عدالته, وإن كان يجوز أن يكون الأمر عند الله بخلاف ما شهد به, ألا تراه يمضي الشهادة ويقطع بها وإن لم يقع العلم بصحتها؛ لأنه لم يؤخذ بالعمل بما عند الله, إنما أمر بحمل الأمور على ما تبدو6, وإن كان في المغيب غيره. فإن لم تأخذ بها دخل عليك الشك في لغة من تستفصحه ولا تنكر شيئًا من لغته مخافة أن يكون فيها بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015