فإن الأعرابي إذا قويت فصاحته وسمت طبيعته تصرَّف وارتجل ما لم يسبقه أحد قبله به, فقد حكي1 عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظًا لم يسمعاها ولا سُبِقَا إليها. وعلى نحو من هذا قال أبو عثمان: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب. وقد تقدَّم نحو ذلك2, وفي هذا الضرب3 غار أبو علي في إجازته أن تبنى اسمًا وفعلًا وصفة ونحو ذلك من ضرب, فتقول: ضربب زيد عمرًا, وهذا رجل ضربَب, وضرنبي4، ومررت برجل خَرَجَج, وهذا رجل خرجج ودخلخل, وخرجج أفضل من ضربب, ونحو ذلك. وقد سبق5 القول على مراجعتي إياه في هذا المعنى, وقولي له: أفترتجل اللغة ارتجالًا؟ وما كان من جوابه في ذلك.
وكذلك إن جاء نحو هذا الذي رويناه عن ابن أحمر عن فصيح آخر غيره كانت حاله فيه حاله. لكن لو جاء شيء من ذلك عن ظنين أو متَّهم أو من لم ترقَ به فصاحته, ولا سبقت إلى الأنفس ثقته, كان مردودًا غير متقبَّل.
فإن ورد عن بعضهم شيء يدفعه كلام العرب ويأباه القياس على كلامها, فإنه لا يقنع في قبوله أن تسمعه من الواحد ولا من العدَّة القليلة, إلّا أن يكثر من ينطق به منهم. فإن كثر قائلوه إلّا أنه مع هذا ضعيف الوجه