الخصائص (صفحة 229)

ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح

فقد ترى إلى علو هذا اللفظ ومائه, وصقاله وتلامح1 أنحائه, ومعناه مع هذا ما تحسه وتراه: إنما هو: لما فرغنا من الحج ركبنا الطريق راجعين, وتحدثنا على ظهور الإبل. ولهذا نظائر كثيرة شريفة الألفاظ رفيعتها مشروفة المعاني خفيضتها.

قيل: هذا الموضع قد سبق إلى التعلق به من لم ينعم النظر فيه, ولا رأى ما أراه2 القوم منه, وإنما ذلك لجفاء طبع الناظر, وخفاء غرض الناطق. وذلك أن في قوله " كل حاجة" "ما"3 يفيد منه أهل النسيب والرقة، وذوو4 الأهواء والمقة ما لا يفيده غيرهم, ولا يشاركهم فيه من ليس منهم ألا ترى أن من حوائج "منى" أشياء كثيرة غير ما الظاهر عليه والمعتاد فيه سواها5؛ لأن منها التلاقي، ومنها التشاكي6، ومنها التخلي8، إلى غير ذلك مما هو تال له ومعقود الكون به. وكأنه صانع عن هذا الموضع الذي أومأ إليه وعقد غرضه عليه بقوله في آخر البيت:

ومسح بالأركان من هو ماسح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015